ريتا الحكيم . سوريا
(بينَ وهمَينِ)
لم نلتَقِ منذُ آخرِ صفعةٍ تَلقَّيناها
تلك المثلُ والمبادئُ التي كنَّا نقدِّسُها
ونزرعُ ورودَنا على سياجِها
غرزتْ في مِعصَمَينا أشواكَها ونزفْنا إلى أن
حَلَّ ذاكَ السُّنونو ضيفًا على أوجاعِنا
أصبَحنا ثلاثةً
ننقرُ قطاراتِ الإيابِ على سككِ الحُنقِ
نتساقطُ من إبطِ الموتِ
عناوينَ لصحفٍ قديمةٍ.. تتناوبُ عليها عجائزُ السَّاسةِ
يُلمِّعنَ بها زجاجَ ذاكرتهنَّ المُغبَرِّ
وبين أصابعهنَّ النَّحيلةِ نتحوَّلُ إلى مِزَقٍ
تملأ أرصفةَ المحطَّاتِ
تدوسُنا نِعالُ المتشدِّقينَ لنغدوَ قيئًا في منظومةِ
حُقوقِ الإنسانِ
ومادَّةً دسمةً لمُعتنقي المُمانعةِ الواهيةِ
******
على هامشِ القضايا العالقةِ على قُمصانِنا المُهتَرئةِ
يعقدونَ اجتماعاتٍ.. يتبادلونَ فيها
الأزرارَ المقطوعةَ ويُخيطونَ العُرى المُمزّقةَ
يعيدونَ غَسْلَها بصابونٍ رديء السّمعةِ
ويصبغونَها بالأحمرِ القاني
مؤتمراتُهم لا تزيلُ البقعَ العنيدةَ عن أكمامِنا
ولا تُمَسِّدُ ياقاتِنا
كلُّ ما في الأمر أنهم ينقعونَها بوحلِ خطاباتِهِم؛
فتنكمشُ على أعناقِنا
مشانقَ يتدلَّى منها الوطنُ.
*******
أصخِ السَّمعَ جيدًا، إنه خريرُ الدِّماءِ
في نهرِ قويق
العقها وتلمَّظ شفتيكَ، وامسح بظهرِ كفِّكَ
ما علقَ منها على فكَّيكَ
تمايل، واغنج، ألا تتقنِ التَّانغو والفالس؟
أطلقْ إذن قذيفةً أو اثنتين
على إيقاعِها نرقصُ الباليه
ننقلُ خُطانا المثقلةَ بدمائِنا
ونختتمُ العرضَ الرَّاقصَ تحت ركامِ المدنِ.
بالله عليك! ألقِ نظرةً، أما اكتفيت؟
********
انهضْ من تحتِ الرُّكام وامضغ أشلاءك
بنكهةِ الشُّوكولا المُرَّة
اجعلها كراتٍ من قمحٍ وسكَّر
أو أثداءً لرضيعٍ حديثِ الولادةِ
اصنع منها أرجلًا وأيادٍ قويةً، وإن أمكنكَ
أعينًا زرقاءَ وسوداءَ وعسليَّة
أطفالنا بشوقٍ إلى معجزاتٍ
ليبصروا ويمشوا ويلوِّحوا للعالمِ بأيديهم صارخين:
دعونا بسلام!
*********
لسِنينَ طَويلَةٍ..
وأنا أرتادُ طريقًا يَحتشِدُ
بأنفاسِ رَجُلٍ نَسِيَ عُلبةَ سجائرِهِ
على سورِ حَديثِنا الأخير
حينَ ضَبَطْنا ذاكَ العجوز.. يقيسُ خصرَ الموتِ
ويَشُدُّهُ بإحكامٍ على واجهةِ العَرضِ
هُناكَ.. أمِّي تحيكُ قِصَصًا
لطفلةٍ تَسألُها بإلحاحٍ: أينَ هو الله؟
وهُنا.. يسْتَحِمُّ الموتُ بأدعيةِ مَنْ غَرِقوا،
ويطفو عَلى كلِِّ الإجابات
كَقِطَعِ حلوى خاليةٍ مِنَ السكَّر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق