الاثنين، 5 يونيو 2017

بلاد لم تجدها على الخارطة / بقلم الأستاذ : يوسف السرخي / مجلة قطوف أدبية / رئيس التحرير : سمر معتوق / نائب رئيس التحرير : نسرين العسال








لادُ لم تجدها علي الخارطة
كجزيرةٍ مفقودةٍ في محيط النسيان
نجمةٍ
لها هويتها وضوءها ..لكن لاتصلها الأيدي
بقيت في منعزلٍ عن التاريخ والمؤرخ والصارخ والمستصرخ
بلادٌ
نسيها أهلها في زحمة الأنباء والقيدِ
بلادُ
ولياليها تملؤها السموم ،لتشعل الدموع في الأحداق كالجمر
وأنا أمشي عشوائياً في الأزقة كحياتي وموتي المر
فيوقفني أحدٌ ويسألني بلغة منشقةٍ من لغتي
ويظنها الأفصح
يسألني :ماهو اسمك وماتفعلُ
أجيبه لااسم لي
أنا شاعرٌ تائه في بلدي أتجوّل تحت ضوء القمر
لعلي أجد ذريعةً
أكتب فيها قصيدةً
وكلُّ شيء تخلى عني
فلم يبق شيءٌ لي سوى هذه الرياح الحارة
والغبار الذي يتجوّل في رئتيّ وأحلامي
فهل تشاركني؟
لأقاسمك الغبار والريح....
فيضحك مني
ويحسبني مجنوناً
وربما يشفق عليَّ ويمُر
بلادٌ
وفي أحيائها
وقبل النطق بالكلام وتفتح العيون
وبين الأبواب والجدران المتعبة من حمل الوجود
والمرهقة كالجفون
يعلّمك الزمان إمّا أن تكون شاعراً
و إمّا أن تكون مجنوناً
بلادٌ
وفيها من الجمال مايهزم التعب من اللاشيء ومن الهوية واللاهوية
ففيها أشياءُ..هوية تصير عند ملامستها
وكأن من في البلاد استودعوا الهوية في الأشياء
خشية أن ماتوا تتخلد الأرواح
بلادٌ
وفيها مشيت تحت أقواسِ جسرٍ لم يكتمل ِ القرنُ على عمره
لكنه يحمل كل العناوين دون إيضاح
وعندما سارت خطاي عليه
أحسست بأنّ الأقواس ليست أقواس حديد
بل أقواس قزح رغم غياب الألوان
وهناك..
عند ملتقى الأقواس تصيرُ قاب قوسين أو أدنى
من انتهاء المادة
فالأول يحملني إلي الفردوس
وفي الثاني ملأتُ من الأبدية الأقداح
بلادٌ
وفيها جبلٌ
شامخٌ
شيدته الأيدي
رافع الرأس
ليكون شاهداً علي التاريخ منذ ما دوِّنَ التاريخ
وكأن معمار الزيغورات كان شاعراً
لانّي أراها كقصيدةٍ عموديةٍ من خمسة أبيات
تُقرأ بالعكس
فالبيت الأول ينبت من الأرض
ثم يعلوه الثاني
ثم الثالث
وأمّا الرابع قد ضاع في العدم
والخامس حينها ذاب في الدم
بلادٌ
وفيها نهرٌ
ينشعب من الجفون والشرايين
يمتدُّ كجرحٍ علي جسد البلاد من الرأس حتى القدمين
نهرُ و إن نظرت في امتداده نحو الأفق
تراه لن يستمرَّ في زحفه
تراه يغيب بينه وبين السماء
تراه يصعد إلي السماء رويداً رويداً
ليسقي
أنهار الجنة ويملأ كؤوس الملائكة المقربين
بلادٌ
ونخيلها كأشباح
على الطريق تحدّق في وجهك
وبكلّ شيء يزحزحها عن مكان ولادتها
وحتى لو تموت
تموت واقفة كسليمان
ربّما لتخدعك بأنّها لم تمت
وربّما لاتريد بموتها أن تتخلى عن التراب
بلادٌ
وفيها إذا أردت أن تشير إلي التراب
لاتشير إلى تحت قدميك
بل عليك أن ترفع رأسك لترى التراب فوقه
فهنا لاشيء يقف على طبيعته
هنا تصير السماء الأرض
والأرض سماءً يزيّنُها السكان
وكأنّهم كواكبُ ونجوم
بلادٌ
وفيها لاتصدّق ماترى
وصدّق ما لاتراه(كلُّ شيء لايعبر عن ذاته)
فملاسة أنامل كهلٍ تكفي لتشعرني
بملامسة جذع نخلةٍ من الموت والخلود اقتربت
وعطر وشاح جدة يكفي ليملأني
برائحة الحقول التي ذهبت
وابتسامات طفلٍ تكفي لتطمئنني
بأنّي مازلت حياً للآن و أكتب
لحاضره ومستقبله
كلّ شيءٍ هنا متناقض مع واقعه
.
.
.
" قصيدة بلاد لم تجدها على الخارطة للشاعر : يوسف السرخي من ديوان منفردٌ بعمق القمر "

- تحرير : ياسمين العلي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخر ما نُشر في قطوف

كدمة بقلم الشيماء عبد المولى . الجزائر

″ كدمة ″ كلُّ الكدمَاتِ مُوجِعة وجعًا لا يُطاق يحاصرُ كلَّ قلبٍ مَريضٍ و كلَّ جفنٍ مُترَعٍ بلَيَالِي الانتظَار يطُولُ الوقتُ عَمداً تَلت...