الأربعاء، 2 أكتوبر 2019

(ربّ الفراشات) بقلم محمد زين . مصر


                            محمد زين  . مصر


(ربّ الفراشات)

أنا ربُ الفراشاتِ في الحديقةِ العامةِ
لا يخدعنكَ جسدي النحيلُ وثيابي الرثةُ
لا يخدعنكَ وجهي الذي أحتفظ بسيماءِ الجوعِ
لا تخدعنك نظراتي المتباطئةُ 
كأنها تبني النظراتِ نظرةً فوق نظرةٍ
أنا ربُ الفراشاتِ هنا

فقط كلما اقتربتُ من (كانزِ الكلةِ) 
غابت الدنيا وتجليت 
فقابلتُ نفسي الهائمةَ في الخلودِ السرمدي
اخترتُ الفقرَ ليكون كسوتي..  بإرادتي
فليس من حقِ الإلهِ أن يكون غنيًّا وعبادُه فقراءُ
وأنا ربُ الفراشاتِ الفقيراتِ هنا

أروي عليهن 
حكاياتِ أجدادهن الذين ماتوا 
قبل أن يحكوا حواديتِ الأطفالِ لهن
أعلمهن تأريخَ الخيالِ
فأنا أعيشُ دون تاريخٍ أو أقاربٍ أو أصدقاءٍ

لست الوحيدُ هاهنا
هناك ربٌ للكلابِ الضالةِ
تراه يأتي كلَ صباحِ بدراجتِه القديمةِ 
حاملا على جانبِيها ما تفضلت به يدُ جزارِ المدينةِ
ليطعمَ رعايَاهُ الصغارَ

وهناك ربةٌ للقططِ المشردةِ أيضا
تراها تأتي بسيارتِها إلى قلبِ الحديقةِ
وتنـزلُ متكئةً على عصاها 
ترشُ الطعامَ في خطوطٍ مستقيمةٍ 
لكي لا تتصارع القططُ على الطعامِ
فتنسي الطعامَ وتبدأ في شجارِها اليومي

ربما تُقابلُ أحدَ الآلهةِ هنا أو هناك
فنحن كُثرٌ 
نملأُ الفراغاتِ في الحديقةِ العامةِ
ونرتبُ أوضاعَ الزهورِ في اتجاًه نومِنا
نغني مع الطيورِ.. دون إحداثِ صوتٍ 
كي لا تُزعجُهم أصواتُنا
وكي لا تنكسرُ مهابتُنا ومهابةُ الصمتِ
ودون أن يلاحظَ المارةُ
أطلقُ فراشاتِي كي تشاركَهم التحليقَ
وتأتيني بأخبارِهم 
فأنا ربُ الفراشاتِ المنطلقاتِ في كلِ مكانٍ هنا

نحن آلهةُ الحديقةِ العامةِ
نمرُ متجاورين دون أن نلقي السلامَ على بعضِنا البعض
كأن كلَ واحدٍ منا في مجرتِه الخاصةِ 
يرتبُ نجومَهُ كما يشاءُ
نرعى خرافَنا ونعملُ طوالَ اليومِ عليهم
ثم نلتحفُ ضوءَ القمرِ وننامُ.. تاركين الفراغاتِ بيننا
الآلهةُ لا تحتملُ النومَ بجوارِ أحدٍ

نحن أربابُ الكائناتِ هنا
وحيدون في عالمِكم أربابٌ في عالمٍ خاصٍ بنا
وأنا.. ربُ الفراشاتِ هنا. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخر ما نُشر في قطوف

كدمة بقلم الشيماء عبد المولى . الجزائر

″ كدمة ″ كلُّ الكدمَاتِ مُوجِعة وجعًا لا يُطاق يحاصرُ كلَّ قلبٍ مَريضٍ و كلَّ جفنٍ مُترَعٍ بلَيَالِي الانتظَار يطُولُ الوقتُ عَمداً تَلت...