الثلاثاء، 6 أغسطس 2019

( المشهد) بقلم جميلة بلطي عطوي . تونس


                      جميلة بلطي عطوي . تونس 

( المشهد )

هل أتاك حديث الدّيار تذرف دمعها ، تنعى مشاهدها الجميلة ، تستحضر باحاتها العامرة رغم قلّة اليد أحيانا لكن الهدوء يعمّ رابية وخميلة . تلك المشاهد تنضح طيبا تنثره الصّبا فترفرف على العتبات الآمنة كما الورق ، أمّا اليوم فتقف مشدوهة أمام خريف عابس يدحر منها لون الجمال ، يحوّلها حلبة للصّراع ، " لسرّاق اللّيل ولصوص النّهار" يلقمونها الإقك جزافا وما نفق.
في السّاحات تتلكّأ الخطى المبتورة ، تشدّ الهمّة لكسر المدى فترتطم في زمن يتعثّر على نقر الأوتار المشبوهة ، يتهدّج صوته ، ترتجف كلماته  في عمق الهزيع الأخير من حشرجة الوقت ولا علامة تهدي إلى سواء السّبيل، لا حادي يحثّ العيس لبلوغ الغايات.
كلّ ما في المكان ضجيج  يثقب أذن الصّمت ، يحرمه من استراحة ، يشوّش هجعة الفكر التّائه في خفايا معركة عجيبة .على مرمى الأهواء تتردّد تغريدات مستهلكة  لا نصيب لها من الصّدق ولا قيمة لها في فنّ الأهازيج. مجرّد أبواق تتعالى ، تصمّ سمع الكون فتنكفئ الشّمس على أعقابها . لا شيء هنا يبشّر بانقضاء ليل يحيل على طلوع فجر.
هنا تتشابك الكواكب فلا شمس تبزغ ،لا قمر يسمر ولا نجوم  تصبّ الشّهب لملاحقة شياطين اللّيل والنّهار. الزّمن في هذه السّاحات يعيش قفزة خياليّة ، يخترق المحطّات ، من كلّ فترة ينتزع قطعة من سدى منهك ، يجمّعها في نول فقد الصّلاحيّة منذ باع الصّبر جهده للرّيح. نول رُكن فما عاد قادرا على النّسيج وإن فعل يكون النتاج ثوبا رثّا مشوّها تفنّن السّوس في تصميم ثقبه المتناثرة . ثقب غالبا ما تجد فيها الخفافيش معبرا لبناء أعشاشها المقلوبة.
في هذه السّاحات باتت الفوضى عنوان الذّكاء ، أمّا الذّكاء فيتجلّى في قدرة المموّهين على ركوب الحمير رافعين شعار فروسيّة واهمة . بالمختصر المفيد المشهد يغري فيدفعك إلى ملاحقة التّفاصيل ظنّا منك أنّ الغاية شريفة لكنّ الأوراق المتناثرة على الطّريق تربك عقلك . تحيّر عينك وهي ترى أوراق التّوت تتساقط تباعا. عري تكتشف فيه البشاعة فتنتابك خيبة وأنت تعيش الكارثة بكلّ ألوانها . يرتجف قلبك والتّرّهات تتكوّر أمامك ثمّ ترتمي كُورا في ساحة لا يحسن لا عبوها غير أساليب الخداع والكذب ، كذب على الأحياء كما على الأموات والأرض يمزّقها الغيظ حدّ الانفجار.
كلّما تقدّمت يشتدّ بك الدّوار وأيقنت أنّك تغرق في مستنقع آسن فُقدت فيه كلّ علامات الإنسانيّة ولم يبق غير نبض شارد يهتزّ بين الفينة والأخرى ، يعيش غربة أليمة ويأكله اليأس حدّ القنوط فيرتجي عاصفة ، ريحا صرصرا ترفع عنه كثبان البهتان ، آملا أن تقود نحوه غيمة يتيمة تشفق عليه ، تربّت على وحدته وتسقيه رشفة تحيي فيه أمل النّجاة . أمنية تترنّح تحت كلكل انتظار مميت  أو لعلّها صحوة شاردة ترفع الضّيم وتعيد  حلمه التّائه . حلم بمشهد بهيج  يتصدّر فيه العقل الرّيادة  وتدقّ حوله طبول الانتصار.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخر ما نُشر في قطوف

كدمة بقلم الشيماء عبد المولى . الجزائر

″ كدمة ″ كلُّ الكدمَاتِ مُوجِعة وجعًا لا يُطاق يحاصرُ كلَّ قلبٍ مَريضٍ و كلَّ جفنٍ مُترَعٍ بلَيَالِي الانتظَار يطُولُ الوقتُ عَمداً تَلت...