الخميس، 28 مارس 2019

خطوط طيران الماضي. زكية طه الذيب . سوريا


                    الكاتبة السورية زكية طه الذيب

خاطرةخطوط طيران الماضي

أتوجهُ كل ليلة مسرعةًبلملمة أفكاري من الشتات، أُوضبها داخل حقيبةٍ صغيرة وأتوجهُ إلى حافلةٍ تقلني إلى مطار الماضي.
على متن طائرة الماضي ،أحجزُ مقعداً منفرداً لي محشوراً في زاوية ٍ تائهةٍ عن الأعين ، ومن جديد وببطءٍ متواطئ مع نفسي وبكسلِ امرأة ٍ باحتساء قهوتها أطالعُ صحيفة أيامي الخالية وعمري الفائت فتشدُّ انتباهي خطوط حمراء مبعثرة بين الصفحات لمواقف لا تُمحى من ذاكرتي ما حييت .
واسترقُ النظر لعناوين دُونت بلون أغمق لأماكن خضتُ بها معارك َ شتى ولا حصيلة سوى الألم .
تشدّني الصفحة ما قبل الأخيرة للسنة الماضية ،تغير كل شيء منذُ اصبحتُ أحجز تذكرة طيران للماضي كل ليلة لتقنعني الرحلة أن المبادئ التي راهنتُ عليها بنصف عمري ، عرفتُ أنني دفعت ُ الكثير من أجلِ أن أقتلعها من نفسي .
هناك ،أسفل الصفحة ما قبل الأخيرة زوايةٌ دُّونتُ فيها أسماء وأرقام عديدة لأناس انكشفت نواياهم مع مرور التجارب فكانت الخيبة حصتي منهم .
على الهامش، جداول ُ زمنية كنتُ قد نظمتُها للسنة المقبلة (لم يتحقق معظمها).
يُرجعني تجاوز أحد المطبات العاطفية إلى الصفحة الأولى من عمري ..طفلةُ غريبة تائهة بين الدفاتر والأقلام والقصص الخرافية ،أبسط أحلامها أن تدون الواجب المدرسي بخطٍ جميل.
ينتفضُ قلبي وجعاً عندما تعلن مضيفة الطيران (ذاكرتي) عن بلوغ مطار الواقع فأطوي الصحيفة على عجل لأتمعن الصفحة الأخيرة..إنها البارحة بكل ما تحملهُ من مشاعر وتخبطاتٍ عاطفية وعناوين للاعمال المؤجلة وملاحظات متفرقة للغد المجهول الهوية.
يتوقف هدير الطائرة ،أنهض،ألملم ُ أفكاري وصحيفتي، أتوجه إلى بوابة المطار ،ألمح صندوق الأمانات معلقاً على الجدار تعلوه لافتة :(رحلتكُ غداً بنفس التوقيت ، اترك ماضيك هنا)
استودعُ الصحيفة هناك وأغادر لأستقل سيارة أجرة توصلني إلى واقعي وتُنسيني الماضي الذي سيقلعُ غداً وكل ليلة .

هناك تعليقان (2):

  1. الذاكرة وجع الانسان الابدي ياسيدتي ...ارجو ان تتفقدي الصفحة ماقبل الاخيرة جيدا...

    ردحذف

آخر ما نُشر في قطوف

كدمة بقلم الشيماء عبد المولى . الجزائر

″ كدمة ″ كلُّ الكدمَاتِ مُوجِعة وجعًا لا يُطاق يحاصرُ كلَّ قلبٍ مَريضٍ و كلَّ جفنٍ مُترَعٍ بلَيَالِي الانتظَار يطُولُ الوقتُ عَمداً تَلت...