المصباحُ السِّحري
ليسَ من عادتي أن أستيقظَ في هذا الوقتِ المبكّر، لكنني اليومَ مدعواً لحفلٍ تقيمهُ رابطةُ أدباءِ المهجر. وقد تم تكليفي بإلقاء كلمةٍ في الحفل.
ارتديتُ معطفي الطَّويل وقُبّعتي الصُّوفية، وحملتُ بعضَ الصُّحفِ العربيةِ تحتَ إبطي، وكثيراً منَ الحنينِ لوطني و ذهبت.
يا الله لقدْ تأخرتُ كثيراً.
أتمنى أن يَغفرَ لي وطني فحملُ حنيني إليهِ كانَ ثقيلاً.
دخلتُ القاعةَ فَفوجئتُ أنّي أولُ الواصلينَ.
ربّما كانت أحمالُ المدعوّينَ أكبر.
وما إنْ قدمَ جميعُ المدعوّينَ وبدأَ الحفلُ بالنّشيدِ الوطني لبلدي، دبّت الحماسةُ في قلوبنا، وارتفعت أصواتُ التَّصفيقِ لمدير الرّابطة.
كم هو رجلٌ بارعٌ؟
استطاعَ أن يحملنا نحنُ والقاعة ويضعنا في أحضانِ الوطن، لكنّهُ ليسَ أكثرَ براعةً من تلكَ الشّاعرةُ التي اعتلت المنصّةَ وبدأت خطابها " إن لم نكن نعيشُ في الوطن فالوطنُ يعيشُ فينا
في وطني خلقت أوّلَ أبجديّة
في وطني تغفو العصافيرُ في أحضانِ شقائقِ النُّعمان،
ويغفو الأطفالُ على حكاياتِ ألفِ ليلةٍ وليلة.
في وطني للخبزِ طعماً آخر
للموسيقى لحناً آخر
وللحبِ حكايةً أخرى"
أنهتْ قصيدتها لكنّي لم أنهي التَّصفيقَ حتى أصبحتُ أصفّقُ وحدي.
الآنَ حانَ دوري.
وضعتُ حمليَ الثَّقيل على كرسيي،وصعدت.
ياللورطة! أضعتُ الورقةَ التي كتبتُ فيها خطابي.
حسناً ليست بالمشكلة.
بسمِ الله الرَّحمن الرَّحيم
سيداتي سادتي
عن أيّ وطنٍ تتحدثون؟
في وطني لا لحنٌ سوى لحنُ الرَّصاص.
ولا أزهار إلاّ فوقَ القبور.
في وطني اغتيلت البراءة وقدمَ إليها الموتُ من كلّ حدٍ وصوب.
في وطني قُتلَ الزَّهرَ والقلمَ والحب.
في وطني ألفُ جلّادٍ وجلّاد.
نعم للخبزِ لوناً آخرَ ؛ فلونهُ أحمر.
نعم للموسيقى لحناً آخرَ ؛ فالنَّايُ لا يعزفُ سوى أنشودةَ الموت.
في وطني تدوّنُ القصائدَ على جدرانِ المعتقلات.
في وطني كُلُّ رصاصةٍ تقتلُ ألفَ قصّةَ حبٍ.
آهٍ كم أنتَ تعيسٌ يا وطني؟
ليتني أملكُ مصباحَ علاءَ الدِّين وبساطَ الرِّيح!
أحلّقُ بعيداً إلى وطني الجريح.
أسقي الورودَ فوقَ كلِّ قبرٍ وضريح.
أنهيتُ خطابي ونظرتُ أمامي.
عجباً! لا أحد! أينَ رحلوا؟
وإذ بضربةٍ على رأسي أخذتني بعيداً.
فتحتُ عيني في غرفةٍ مظلمةٍ لأرى رجلاً ضخمَ
البنية، عريضُ المنكبينِ طويلُ الشَّاربِ.
أينَ أنا؟
أنتَ على بساطِ الرِّيحِ.
من أنت ؟
أنا ماردُ المصباح.
سامر الأسمر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق