الثلاثاء، 9 مايو 2017

مقاربة في قصيدة ( فضائل ) للشّاعرة الفلسطينيّة زكيَّة أبو شاويش / الأديب و الناقد: عادل لخليدي / ( إضاءات نقدية )على فرسان اللغة و الأدب / مجلة قطوف أدبية / رئيس التحرير: سمر معتوق / نائب رئيس التحرير: نسرين العسال




السّلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
أسعد بلقائكم أساتذتي الأفاضل في فقرة ( إضاءات نقدية ) و  هذا العدد سيكون بعنوان:  
بنفسجُ الرّوحِ الفضائلُ
مقاربة في قصيدة ( فضائل ) للشّاعرة الفلسطينيّة زكيَّة أبو شاويش _ أُم إسلام

القصيدة:
فضائل
لا تلو عنقكَ عمَّن رامَ مكرمةً ___ واغنم بفضلٍ فإنَّ الفضلَ إحسانُ
إنَّ الكَرِيمَ لهُ سَمتٌ يُشارُ لهُ  ___ إذ لِلخلائِقِ حَاجَاتٌ وَ أَزمَانُ
سمحُ الملامِح بسَّامٌ لذي طلبٍ___ يُرضي إلهاً وللمكروبِ تحنانُ
إنَّ المكارِمَ تزهو في منابتها    ___ فالزرعُ يربو إذا بالرِّيّ هتَّانُ
قد لا يَرُدُّكَ عن فعلِ الجميلِ إذا ___ بذَّ الشَّحيحُ بوصفٍ فيهِ خُسرانُ
إنَّ الفضائلَ تشفي من بِهِ سقمٌ ___ يحلو بها زمنٌ لا عاشَ خوَّانُ
إذ في المجالِسِ عطرٌ زانَ صاحبَهَا___هذا الشَّذى بعدَ موتٍ فيهِ أحزانُ
فاحرص عليها إذا ما كنتَ مُقتدِراً___ تسعد بها طرباً . فالمدحُ ألوانُ

التّحليل:
العنوان:
 يمنحنا العنوان دائما فرصة التأويل و إعادة قراءة النّص من جديد ، و قد ورد جمعا ، مفرده فضيلة و الفضيلة الدّرجة الرّفيعة في حسن الخلق ، و لاشكّ قد كان للشّاعرة سبب في انتقاءه ، وكأنّنا بها تجرّ القارئ إلى أن يقف وقفة تأمّل في هذه الفضائل التي ربّما غُيّبت في مجتمعنا.
في تأويل القصيدة:
يستحوذ هذا النّص على توليفة  لا بأس بها من الفضائل التي راحت تنتشر في جسد  هذه القصيدة المغلقة التي سنحاول استنطاقها ، محاولين قدر الإمكان الوقوف على كلّ جميل فيها من فضائل ، فضائل راحت تتوالد في حوارية رائعة بين شاعرة اتّخذت موقف النّاصح  المرشد و بين ذات غائبة مخاطبة، منتقلة في ذلك بين النّهي و الأمر كونهما المناسبان لهذا الغرض و الملائمان لهذا المقام ، و المتلقّي بدوره ينصت بآذان القلب لمن يناديه بلطف و هو يشرب ذاك الرّحيق المختوم من مكارم الأخلاق .
و من جملة الأخلاق (السّماحة) التي قال فيها الإمام الشّافعي رحمه الله تعالى  :
و كن رجلا على الأهوال جلدا ـــــــــــ  و شيمتك السّماحة و الوفاء
و منها أيضا :
التّعفف و عدم سؤال النّاس ، و عنه يقول المولى عزّ و جلّ : << لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)>>. سورة البقرة.

و من الأخلاق أيضا السّعي لقضاء حوائج العباد ، و هو ما ورد ضمنيّا لا تصريحا ، هذه الأخلاق الحميدة التي سيفوح عبيرها ، و تكون سببا للذكر بالخير بين النّاس في الحياة و بعد الممات.
الحقول الدلالية :
وردت في القصيدة بعض الكلمات المختلفة التي يجمعها خط دلالي واحد :
- الحزن (  مكروب – أحزان )
- الصفاء و الجمال ( الجميل – يحلو – عطر – الشّذى – طربا )
التكرار : نجده في ( فضل – الفضل – الفضائل )
بين الدّال و المدلول :
نلفي الشّاعرة تعمل بطريقة أو بأخرى على تقوية العلاقة بين الدّال و المدلول بلغة شعرية  ، شحنت فيها الألفاظ شحنا عاطفيا منها ( مكرمة ، إحسان ، سمت ، مكروب ، تحنان ، أحزان ... ) هذه الدّوال لاشك ستترك أثرا في نفس المتلقّي من خلال مدلولاتها العميقة التي تخدم هدف القصيدة بالدّرجة الأولى.
الأسلوب و البلاغة: متمثّلة في الصّور البيانيّة: مثل:
- المكارم تزهو في منابتها : ( استعارة )
- إنّ الفضائل تشفي من به سقم ( استعارة )
الوزن :
وزنت الشّاعرة قصيدتها على البحر البسيط الذي مفتاحه:
إنّ البسيط لديه يُبسط الأمل ـــــــــــ  مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن
و كون القصيدة قد وزنت على بحر واحد فإنّنا سنكتفي بتقطيع بيت واحد عروضيّا مع الإشارة إلى بعض جوازاته و سنختار البيت الثّاني على سبيل المثال:
إنَّ الكَرِيمَ لهُ سَمتٌ يُشارُ لهُ___ إذ لِلخلائِقِ حَاجَاتٌ وَ أَزمَانُ
الكتابة العروضيّة :
إِنْنَلـْـكَـــرِيْ  مَلَهُوْ    سَمْتُنْيُشَاْ      رُلَهُوْ  ــــــــــــ  إِذْلِلْخَلَاْ    ئِقِحَاْ   جَاْتُنْوَأَزْ    مَاْنُوْ
الرّموز:
/0/0//0  ///0   /0/0//0   ///0 ــــــــــــ /0/0//0  ///0  /0/0//0  /0/0
مُسْتَفْعِلُنْ   فَعِلُنْ    مُسْتَفْعِلُنْ    فَعِلُنْ ــــــــــــ مُسْتَفْعِلُنْ  فَعِلُنْ   مُسْتَفْعِلُنْ   فَعْلُنْ
الجوازات الشّعريّة :
فَاعِلُنْ ــــــــــــ فَعِلُنْ
فَاعِلُنْ ــــــــــــ فَعْلُنْ
القافيّة :
القافية هي بمثابة إعلان عن نهاية البيت الشعري و ذروة الإيقاع باعتبارها دفقة مردّدة تضفي عليه مسحة جمالية نابعة من عواطف الشّاعر و انفعالاته ، خاصّة حرف الرّويّ ، و هو في هذه القصيدة ( النّون ) و هو من الحروف التي تمتاز بسهولة التلفّظ و المرونة في النّطق باعتبارها أصوات مجهورة ذات قيمة تعبيريّة تحقّق التأثير على المتلقّي عموما و السّامع خصوصا ، إذ هي أنيس موسيقيّ للأذن ، تطرب له ، و يكون ذلك من خلال التناغم و التجانس في أواخر الكلمات ، أو بالأحرى آخر القافية التي هي في الأصل آخر ساكنين مع المتحرّك قبلهما ، وقد وردت القافية موحّدة على وزن ( فَعْلُنْ)   (/0/0)  مرتّبة حسب الأبيات (سانو ، مانو ، نانو ، تانو ، رانو ، وانو ، زانو ، وانو ).
ملامح التّجربة الشّعرية عند شاعرتنا تظهر جلّيّا في هذه القصيدة و في غيرها من القصائد الأخرى على جميع المستويات .
ختاما، رغم كلّ هذه الإضاءات للنّص إلاّ أنّنا لم نوفّه حقّه في التّحليل و ذلك لطبيعة الفقرة التي تقتضي منّا الإيجاز .
خالص تحياتي و تقديري للشّاعرة زكية أبو شاويش و للمشرف الأستاذ حمدي الكحلوت أبو عماد و لجميع فارسات و فرسان اللغة و الأدب.
محبّتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخر ما نُشر في قطوف

كدمة بقلم الشيماء عبد المولى . الجزائر

″ كدمة ″ كلُّ الكدمَاتِ مُوجِعة وجعًا لا يُطاق يحاصرُ كلَّ قلبٍ مَريضٍ و كلَّ جفنٍ مُترَعٍ بلَيَالِي الانتظَار يطُولُ الوقتُ عَمداً تَلت...