السّلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
أسعد بلقائكم أساتذتي الأفاضل في فقرة ( إضاءات نقدية ) و هذا العدد سيكون بعنوان:
عندما يمسك بالقلم جاهل و بالسّلطة خائن ...
قراءة في الومضة الموسومة بـ (سياسة) للكاتب اليمني رامي المقطري .
الومضة:
سِيَاسَةٌ
( أُتخِمَت البُطُونُ؛ نَخَت العَزَائِم.)
في هذا النّص نجد الكاتب ينزح للرمز ، بدءا من العنوان الذي يكتنفه الغموض ، إذ لفظة ( سياسة ) هي مصدر الفعل ساس ، يُقال : ساس أمور النّاس بمعنى تدبّرها أو تولّى تدبيرها و هو ما يدلّ على وجود شخص نُسِبت إليه السّياسة ، كونه محنّكا يُعنى بشؤونها ، هنا وجب إزالة الإبهام عنه ، إذ ربّما يُقصد به تلك الوجوه التي ألفت العمل السّياسي ، ثمّ ما فتئت أن عشقته ، هي أشباه بشر ألجمها السّمع و الطّاعة ، ممّا جعلها تمتهن التصفيق على كل ّالقرارات بكلّ احترافية.
و انطلاقا من الإزاحات اللغوية في هذه الومضة ، ندرك على مهل المقصود الذي أضمره الوامض و تفنّن من خلاله في تكثيف النّص ، و تعدّد القراءات ، و نحن سنكتفي بتسليط الضّوء على إحدى هذه القراءات ، فشقّ الومضة الأوّل ورد جملة فعلية فعلها مبني للمجهول ( أُتخِمَت ) الذي من دلالاته الجهل بالفاعل ، الذي رسم خطّته ، فأروى العقول ثمّ خدّرها ، و أتى على البطون فأتخمها ، وهنا نرى الوامض يعمل على ترك انطباع معيّن عن الفاعل و المفعول به على حدّ السّواء ، كلّ هذا جاء عبر تقنية سرد الأحداث بإيجاز على لسان راو عليم بتفاصيل ما يجري في السّاحة السّياسية إن صحّ التّعبير ، هذا التّصور الدّقيق للمشهد ، يجعل القارئ يتوحّد في الصّورة مع الكاتب ، و يتّفق معه في هذا الطّرح ، لكنّه يبقى مشدوها إلى ما ستسفر عنه نهاية تلك الخطّة الجهنّمية المحكمة ، و هنا تأتي لحظة الانفراج في شقّ الومضة الثّاني، فينقل لنا الوامض ما يمكن أن يفعله كلّ من كان سليل الأنظمة الاستبدادية ببني أمّته، التي لم تجن الشّعوب منها سوى التّشتّت و التّشرذم و الفرقة الحمقاء التي هي في الأصل مخلّفات العزائم التي وهنت و جثت كما يجثو الجمل.
بمهارة و اقتدار استطاع الكاتب توصيل فكرته ، عن الحال التي آلت إليها أمتنا من ضعف و هوان ، جرّاء سياسة متعفّنة مستبّدة ، بأسلوب شيّق و لغة راقية .
تحيّة للكاتب رامي المقطري و للمشرف الأستاذ حمدي الكحلوت أبو عماد و لفارسات و فرسان اللّغة و الأدب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق