الأحد، 9 أبريل 2017

سراب / للأديب: فاضل حمود الحمراني / مجلة قطوف أدبية / رئيس التحرير: سمر معتوق


سراب
أخط بقدميّ منتشياً ،أتقلب فوق أمواج البهجة ،أداعب الخطى بهمسات ضاحكة متجهاً صوبها. خطواتي تمحوا تعب السنين الماضية ، كان ذلك أمل أمي وزوجتي أن أعاود الدراسة مجدداً بعدما تركتها مجبراً .كأنهم منحوني إجازة قسرية ، حين ترقن قيدي بسبب عدم مشاركتي في معسكرات اجبارية كانت تقام في عطلة الصيف من كل عام لينتهي بي المطاف وألتحق الى الخدمة العسكرية .كنت محبطاً تماماً حين ارتديت ثياب رحلتي الجديدة طيلة سنين عدة ، الى أن حلت الحرب المجنونة أوزارها وسمحوا لنا بالعودة للمقاعد الدراسية ثانيةً. ربما كنت غريب الأطوار فما زلت مترباً بغبارالمعارك التي خضناها في سوح القتال ، دائما أستذكر أوجاع رفاقي اللذين شاركوا أنيني..
في مدخل بناية الكلية حاولت ازاحة شرودي رحت أتعقب فرحتي وقفت قبالة لوحة الإعلانات ليتسنى معرفة القاعة المخصصة لنا .كانت تتخذ لوقوفها مكاناً مزوِيا تستحوذ عليها العفة والبراءة ، رحت أطارد دهشتي وأتحسس يقظتي بين تلك العينين اللاتي أطالن وقوفي منذهلاً .لحقت بأرجلي وكأني أسابق اتجاهات متخبطة ، لم أرى لجمالها مثيل ، طرقت أبواب صمتي بحذر شديد.كنت محملا بأسئلة نحيفة على أمل أن تنمو ويستجيب لها القدر، دنوت منها بتلك الخطوات المتعثرة ،جرجرتني تلك المسافات الضيقة اتخذت منها ممراً واسعاً. كأني جثة عائمة تتناقلها الأمواج فوق بحر هائج.حاولت أن أدك قلاع خوفي وأقترب بشيء من الشجاعة ،ربما تحسبني مجنوناً كيف لها أن تفهم لغة الصمت التي اعتدت عليها من زمن بعيد وأقرأ لها أوجاع قصائدي المركونة فوق رفوف الماضي.تحسست جسدي حملت جذعي المنخور رشقت تيبسي ببعض البلل وكأني أجازف لرهان فاشل.كان ذلك أمر مريب .أني أكره أن أكون خائباً ، تباً لقلبي دائما يتذوق طعم الهزيمة ، سحقاً له لم يتعظ من مرات سابقة عادةً ما يخذله الصدق. أمسكت بلحظات قليلة كانت نصيب اللقاء الأول على أمل أن يتجدد ثانيةً. عدت أدراجي وكأني عميل مزدوج أباح لنفسه الخيانة والوفاء ، تتذمر روحي على خط الشقاء.. يا الهي هل كنت مصاباً بلعنة اللاوعي أو كنت سجيناً لحب النوع .كيف لي ان أحلق فوق ذلك العشب الجميل بأجنحة مكسورة ، سرت بغير هدى أرغب نسيانها وأردد بقناعة كاذبة بأنها مجرد فتاة جميلة .مالِ وهذا الهراء ...حاولت الخروج من هذا المأزق لكن دون جدوى فما زالت صورتها تحاصر خيالي. رحت أنتظر الغد بشغف وأمسك بحلم مستحيل ، هاهو الغد يأتي ببطء شديد كنت احترق شوقاً . في انتفاضة اخرى حاولت العدول عن ذلك ، اصطدمت تلك المحاولة بالفشل الذريع . يا الهي.. ما عسى أن أفعل .. كيف لي أن اخبرها ؟عن حقيقة أمري بأني متزوج ولي أطفال ؟.ما هذا الجحيم ...أمرأتي تعشقني حد الجنون وتغار علي من نسمات الهواء، وقعت في حيرة من أمري ففي كل اللقاءات التي تجمعني بها كانت تثني على وفائي واني حافظاً للعهد.حاولت مجدداً أن أحرك مياهي الراكدة وأن أغوص بعمق الصدق ، تتلعثم اجابتي عند رغبة أمانيها البريئة .لم يكن في رغبتي الهرب كنت أتمنى أن تتقبل قدري بأني متزوج من امرأة ولي منها أبناء. أكره أن أكون خائناً تحليت بالصبروطول البال على أمل أن تضحك بوجهي الخائب وأنال رضا أوهامي سخرية الأقدار تتوالى الهموم وتبقى حيرتي مستديمة بحجم السنين التي مضت برفقتها .هاهي السنة الأخيرة لتخرجنا من الدراسة .حين أيقنت بأن الحلم بات بعيداً ..رحت أداعب همسات الهروب وأعانق حزني الملتحف بصفحات اليأس وأتجرع الصبر لأرتشف منه الوفاء.كانت بعمر الزهور اليانعة حاولت أن لا أفجع أغصانها الغضة ، رحت أختبى خلف هزائمي المتكررة وأرفع قبعتي المثقوبة واقف على عتبة العشق أرتل الحلم من بعيد واعود مجدداً الى الشواطى القديمة حاملاً ذكرى أليمة. حين أبحرت سفينتي بأشرعة متهرية لم تكن ليلة رحيلي مجدية فما زالت تمكث معها روحي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخر ما نُشر في قطوف

كدمة بقلم الشيماء عبد المولى . الجزائر

″ كدمة ″ كلُّ الكدمَاتِ مُوجِعة وجعًا لا يُطاق يحاصرُ كلَّ قلبٍ مَريضٍ و كلَّ جفنٍ مُترَعٍ بلَيَالِي الانتظَار يطُولُ الوقتُ عَمداً تَلت...