الجمعة، 10 مارس 2017

4/9/1982...بقلم الأستاذ: خالد فارس ذوقان الحسحس / مجلة قطوف أدبية / رئيس التحرير: سمر معتوق






4/9/1982


أول أمس وصلتني دعوة لحضور أمسية شعرية ، ومنذ قليل خرجت من الأمسية ، خلال تواجدي
 سألتني إحدى الشاعرات لماذا كل هذا الكم من الحزن !
 لماذا ترتدي اللون الأسود ؟ إنه جميل جداً عليك لكنه حزين ، وبعدها طلبت مني أن أحدثها عن سبب هذا الحزن الموجود بين حاجبي وماذا أخفي خلف أسوار الكتابة .
 فقلت لها : من السهل أن أكتب قصيدة ، ولكن من الصعب أن أبوح عما خلفها ، أما وقد طلبتي ذلك
 فأنصتي سيدتي جيداً لما سأقول … كل عام نُمسك رواية ونقرأها , نتوقف ببهو صفحةٍ ما , نطويها
 ونغمض أعيننا للحظات ونهيم خلف ما صنعه القدر بنا , نغضب من أحدهم , نتعاطف مع آخر ,نسبُّ
 البعض وأحياناً نتعارك معهم , ثم نلتقي دون أن نعلم على أهداب مقهىً ليلي نتسامر بكؤوس العهر بعيداً عن أعين الناس . كل عام نحمل حقائب أحلامنا على ظهورنا, ونرحل . 
فنحن البشر عادةً ما نفضل الهروب , حتى الأقوياء الصامدون هم في الأصل جُبناء , فصمودهم هذا دليل كبير على هروبهم من أنفسهم .
 كل عام نمضغ قسوة ما يُحيط بنا على مضض ونحلم بأن الغد أفضل , ربما لأننا لا نملك سوى تخدير واقعنا , أو ربما لأننا أحرار حينما نحلم . كل عام نبكي على من فارقونا , نبكي بصدق , نبكي وكأننا لن نفرح مرة أخرى , ولكنّنا نعلم بأن الأرض ستدور , ستدور حتى ولو لم تكن كُرة , فالحياة لا تتوقف من أجل أحد .
كل عام نكتب عنّا , نكتب عنّا وعن أصدقائنا , عنّا و مجتمعاتنا , عنّا وأحبّتنا , وما تبقى من عبارات نُخيط بِها رداء سخافاتنا وأخلاقنا المزيّفة , علّنا نهتدي ذات يومٍ لمدينة فاضلة . كل عام نبحث عن ذواتنا لدى الآخرين , ولا نجدُنا , لنبحث مرة أخرى بدواخلنا , لنجدُنا بالخارج , وما أقسى تصدّعات أفئدتنا حينما يُحيطنا الفراغ من كل مكان . كل عام يتساقط الأشخاص من حولنا , يتساقطون كذرّات ماء , أو كأغصانٍ مُتعفنة , فمنهم من يُقذف بمكب نفاياتٍ مُظلم , ومنهم من يتبخّر ويختفي دون أن نشعر به حتى , ومنهم من يبني مساكن فينا ويهاجر منّا إلينا . استغربت تلك الشاعرة من كلامي وقالت : كيف تستطيع تحمل كل هذا الكم من الاحزان ؟ وما القدرة التي تحملتها والتي تجعلك تبتسم وأنت تتألم وفي آن واحد ، فضحكت وقلت لها الميت لا يموت مرتين ، وبعدها اعتذرت منها بكل أدب وأكملت طريقي . وبينما الآن أمشي وقد وصلت لمكان اعتدت أن أجلس فيه لأشرب قهوتي وأكتب بعض مايجول بصدري ، تذكرت كلام تلك الشاعرة وما كان الحديث بيننا ، وقلت بداخلي كم وددت أن ابقى على العهد الذي قطعته لها ، بأن أدفن الماضي وأنسى تاريخ الحزن ، وأحرق أوراقي القديمة وأشتم رائحة الزهور كل يوم . فليس بالأمر السهل أن أتخذ مثل هذه القرارات لأن من يولد بهذا التاريخ 4,9,1982 سيبقى أسير حرف وقافية . أما وقد أعتدت يبقى السؤال ماذنب من أنجبتهم أمهاتهم بنفس هذا التاريخ ؟ وكيف سيعيشون ؟ وهل هناك من يشعر بهم ؟ كم أنا حزين لأجلهم ، وكم وددت أن ألتقي بأحد منهم …








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخر ما نُشر في قطوف

كدمة بقلم الشيماء عبد المولى . الجزائر

″ كدمة ″ كلُّ الكدمَاتِ مُوجِعة وجعًا لا يُطاق يحاصرُ كلَّ قلبٍ مَريضٍ و كلَّ جفنٍ مُترَعٍ بلَيَالِي الانتظَار يطُولُ الوقتُ عَمداً تَلت...