السبت، 29 أغسطس 2020

وصية حب وحرب_ عفاف حسين الخطيب



عفاف حسين الخطيب

وصية حب وحرب

 


"ناديا"... يابنة الياسمينِ ذات الصّوت العندليبيّ..

 


من المُؤكّد  ستَسألينني لِماذا لَم أضع تاريخاً أو عنوان ؟! فَأجيبكِ واليأسُ من وصولِ هذه الرسالة يُقيد أُمنيتي بحبالٍ من الخيبة،

 وإنْ كُنت لا أتجاوزُ القواعدَ بِهذا؛ فمن الأفضلِ أن تَبقى على حالها  لأنني حقاً لا أملكُ موعداً دقيقاً أعِدك به،

ثمّ إنّ رسالةَ القلوب لا تحتاجُ إلى كل هذا الهراء، فاطمئنّي يا حبيبتي .


أمّا بَعد....:

أتراني حقاً أَسرفتُ في التّفكيرِ حتى استقامَت تلافيفُ دِماغي صفاً واحداً؟! أم أنّني سأموت قبل أَن أُكمِل طُقوسَ دفنكِ في داخلي وكأنكِ تَتشَبثِين بالتعريجةِ الأخيرةِ من نبضي قبلَ استقامتِه ؟!

 هُنالك الكثير من الأسئلةِ التي تتخبطُ في رأسي، تطرقُ نواقيَس غفوتي بمدقةِ الاستفهام المُفرط.. 


ماأدراني؟ الحياةُ عاهرة وإنّ الحربَ لَيست نزيفٌ خارجيٌ وأصوات قنابل!؟ ثم إنّ الفقدانَ لا يعني ما خَسرته جَرّاء هذا الصّراع!

فالقبحُ لا يكمِن بعددِ الأشلاء التي لفَظتُها الجِثث و ابتَلعتُها عُيوني..


أسألُُ نفسي في كلِ مرةٍ!! 

 في كل مرةٍ أعودُ فيها من خطِ الجَبهةِ سالماً، وأنا أتحسسُ  يَدي دونَ أنْ ينقصُها إصبعاً واحداً،  مع جسدي الذي أنقُذه قبل أن يأكلُ الرصاصُ شطراً منه...

كيفَ لِطابقي ذاكِرتي أن يَحتفِظا بهذا الكمِّ الهائلِ من الأحداثِ ؟؟ مثلَ تواقيعٍ توثقُ صِلتُهما بي، وأنا الغَريب الذي لا أذكرُ من الأمسِ سِوى أنّني استطعتُ النَجاة من فمِ الموتِ مرةً أُخرى قبل أن يُبلعمني.. 

 أتراهُما كَانا يُدوناها على جُدرانهما القَديمة كما يفعلُ العاشِقون في شوارعِ دمشقَ ينثِرون الياسمينَ حروفٍ من الحبِ هُنا وهُناك ؟

 أمْ أنّها كَانت جُرحاً قديماً ينزّ على عجلٍ فَازدرَمتُها دفعةً واحدةً خشية من الغرقِ والنسيانِ ؟! 


ثمّةَ صوت يهمسُ مِراراً في أُذني، يَسألني قَتلكِ في داخلي قبل أن  تَحتليني، مثلما أفعلُ دائماً مع العدوّ، فَقلبي أيضاً أَرضي،

أَرضي.... 

التي ما لاقت أرضاً تَحتويها غير أنكِ كُنت في رُدهةِ أعماقي مُتعلقَة بأوردتي التي تخفقُ حُباً لكِ وحدكِ،

 ويستحيلُ عليّ.....

يستحيلُ عليَّ قتلُ هذا الوجهِ المَلائكيّ، قتلُ تلكََ العيون التي تحتضنُ مجرّاتَ الكواكبِ بين طبقاتها ،تلكََ العيون التي يَتهاوى منها ألفَ نجمٍ كُلما تحدثتِ،

والصّوت يزداد خفتاً

ماأكبركَ من غبيّ!!

 ألا تُؤمنُ بالنّصيب؟! 

تعتقدُ أنّ الوفاءَ رابطاً مازال موجوداً ؟!

 إنّ الانتظار لا يليقُ بفتاةٍ مثل "ناديا" ، سائقُ القطار لن يدعها في المحطّة وحيدة يا عزيزي،

وأذكرُ أنّك مُلحدٌ بدينِ الأمل!! 

ما الوحي الذي ألهمكَ بإيمان اللقاءِ بعد هذا الزمن؟!

وبينما اليأسُ يأكلُ الكسرةِ الأخيرةِ من رغيفِ الأملِ الجاف الذي مرّ عشرَ سنوات وأنا أقتصدُ به خوفاً من ليالي حَذّرتني منها جدتي...

 ليالي أبيتُ فيها دونَ قطعة واحدة ،

 قبل أن أتلوذ على نفسي كي ألاقيكي في منامي وأخبرك عني، 

النوم لا يعرفُ سبيلاً إلى عيني، أتربع في كنفِ الهزيعِ صديقاً ينحبُ لي وأنحب له ، فهو الآخر أنهكهُ  غياب النهار 


"ناديا"....

إنّه الشهرُ الثاني الذي يمرُّ بدون زيارة منكِ، بدأت أسأمُ من خرافةِ ُعُذر الغائب

الصّوت يراودني ثانيةً، يملأُ شحمةَ أذني بهمساتٍ غبية قاتلة ...

يالكَ من غبي! ألم أحذّركَ من خيانةِ السلاح؟

حينما يكتسيك العجزُ والنّدم والشجن سوياً؟

 حينما تستدعي الأجلَ ولا يلبّيك؟ 

يبدو وكأنَّ شيطانَ الشكِّ عقصني فعلاً

فتصرّفاتي لم تكن مجانبة للمعقول حتى غدوتُ أعتقد بصحة قوله 

والشيب يملأ رأسي، يسلبُ مني ربيع أيامي! 

مدوناً بهالاتهِ السوادءَ خرائطَ أسفلَ عينيَ على متنِ روحي الخائبة كي لا أتوه عن نفسي إذا ما أردت الاستدلال يوماً ما ...

وبالرغم من أنّ إكسير المعجزات لم يكن موجوداً في داخلي مرة لكنني أعترف بشبه قناعتي بوجوده.. 

 فاليوم قد حُدِّدَ موعدُ تسريحي من الخدمة، وأنافي طريقي إليكِ، قلبي يسبق قدمي،

"ناديا"...

إنني أخشى الفراق بعد الفراق، أرجو أن تكوني قد استملت رسالتي، لن أتأخر يا حبيبتي

وداعاً للعالم وأهلاً بكِ.



ثمّةَ اعتراف آخر ...

إنّها الكلمات الأخيرة التي كان يودّ إخبارك بها قبل أن يكمل الموتُ مضغه جيداً في صراعهِ مع اللحظات الأخيرة من مغادرة الحياة ولقائها   

ولأنّ المَنية كانت تخشى خشيته من الفراق ستدعه ينتظرك في الجنة ربما يكون لكم هناك لقاء!! 



#صديقه الخائن الذي تمسك بإبرة القلم كي يُضَمدَ قلبكِ وتَرك جرحه دون خياطة


#عفاف حسين الخطيب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخر ما نُشر في قطوف

كدمة بقلم الشيماء عبد المولى . الجزائر

″ كدمة ″ كلُّ الكدمَاتِ مُوجِعة وجعًا لا يُطاق يحاصرُ كلَّ قلبٍ مَريضٍ و كلَّ جفنٍ مُترَعٍ بلَيَالِي الانتظَار يطُولُ الوقتُ عَمداً تَلت...