الأحد، 25 أغسطس 2019

(النِّهاياتُ امرأةٌ لا تبطلُ تسريحةُ شَعرِها) بقلم ريتا الحكيم . سوريا


                          ريتا الحكيم  . سوريا


 (النِّهاياتُ امرأةٌ لا تبطلُ تسريحةُ شَعرِها)

ليس من عادتي أن أهلِّلَ لفرحٍ يقبعُ في أكفانِ النِّسيانِ،
أو أن أعانقَ ماضياً يلفظ أنفاسهُ في حضنِ مرآتي المشروخةِ.
أتجاهلُ كلَّ ذلك..
وأستعيضُ عنه ببضعِ خربشاتٍ أدوِّنها على حائطي
ثم أديرُ له ظهري وكأنَّني لم أستند عليه ليلةَ أمس وما سبقَها
وكأنَّني لا أحملُ في روحي جنينًا من برودةِ أوصالِهِ
حماقاتُ الكلامِ ترعرعتْ بيننا،
وتناسلتْ في حناجرِنا إلى أن أصِبنا بالخَرَسِ،
وتَعادَلنا في صمتٍ يلفُّ مقابرَ أحاديثنا.

*************

جرعاتٌ مكثَّفةٌ من صدى صوتكَ
كفيلةٌ بتعديلِ مزاجِ اللغةِ بيننا
رغم أنَّني لم أختبر أيَّ سوابقَ شعريَّة
لكنّني أنسِّقُ الكلماتِ على نبضِ القلبِ
أبعثرُها أحيانًا لتبدوَ كلعبةِ بازل
تستغرقُ مئاتٍ من أكاذيبكَ البيضاءَ لإعادةِ تشكيلِها،
أو لأنتقمَ من بعضِ يباسٍ ألمَّ بصُورٍ شعريَّةٍ
اقتبستُها من عطرِكَ حين مرَّرتَ أصابعكَ
على مُنحنياتي.

****************

كثيرةٌ وفائضةٌ عن حاجةِ الحزنِ تلك اللحظاتُ التي ندقُّ
فيها أبوابَ القصيدةِ ولا نسمعُ جوابًا.
كثيرةٌ معاصينا على عتباتِها،
تعاقبُنا بصمتِها
وتتشفَّى بنا..
نحن الغائبينَ عن وعي اللغةِ
نطهو آثامَنا على نار حروفِها
نتذوَّقُ ما اقترفتْ أيدينا
ونصرخُ مِنَ اللذةِ والنَّشوةِ
كيف لهذه الحرائق أن تخمدَ..
ونحن نرسمُ خارطةَ القلبِ بتعاسةٍ نستعيرُها
من مفرداتِها؟
نرتدي السَّوادَ؛ فتتوسَّطُ اللغةُ دائرةَ فراغِنا المُغلقةَ
وتلملمُ ابتساماتٍ رسمناها على حوافِّها
وهلوساتٍ ارتأينا أن نُطلقَ سراحَها من مخيِّلتِنا
فالتصقتْ بثوبِها بقعًا داكنةً.

*****************

أنا امرأة تتذوَّقُ ملحَ الانتظار..
تُحصي محطَّاتِهِ،
وتنحتُ له تماثيلَ فرحٍ خرساءَ
وأنتَ شاعرٌ تصنعُ مِنَ القصائدِ طائراتٍ ورقيَّة
تقولُ الحكايةُ إنَّ كلَّ مَنْ سيمرُّ من هُنا،
يقعُ فريسةَ الغِوايةِ..
العابرونَ على جثَّةِ الوقتِ..
والمُنهكونَ مِنَ الموتِ،
الظامئونَ للضَّوءِ..
ومَن بأحزانِهم يتعَّمدون..
وأنا أقولُ لكلِّ هؤلاء:
لاضيرَ من أكاذيبَ بيضاءَ نضيءُ بها عتمةَ الرُّوحِ
لنتطهَّرَ بنعمةِ الحُبِّ.

****************

يمكنني أن أتنصَّلَ من أصابعِ الخوفِ..
من تردُّدهِ حين يرتدي الشَّغفَ قناعًا..
أو حين يمدُّ ليَ لسانَهُ من مرآةِ البداياتِ
متَّكئًا على عجزِ النِّهاياتِ
يمكنكَ أن تدَّعيَ موتًا هادئًا..
وترحلَ،
يمكنكَ أن تقتبسَ من موتي حياةً أخرى
وتخبرَ شقائقَ النعمانِ في حقولي أنَّكَ باقٍ
وأنَّ الأحمرَ على شفتيكَ ليس إلَّا بقايا من دَمي.

**************

النِّهاياتُ امرأةٌ لا تبطلُ تسريحةُ شَعرِها
وذاك الرَّجُلُ المَنسِيُّ في ذاكرةِ الأيامِ ينبشُ البداياتِ بأظافرِ الرَّحيلِ ليصلَ إليها محمولًا على أكفِّ مجازرِ الغفلةِ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخر ما نُشر في قطوف

كدمة بقلم الشيماء عبد المولى . الجزائر

″ كدمة ″ كلُّ الكدمَاتِ مُوجِعة وجعًا لا يُطاق يحاصرُ كلَّ قلبٍ مَريضٍ و كلَّ جفنٍ مُترَعٍ بلَيَالِي الانتظَار يطُولُ الوقتُ عَمداً تَلت...