جميلة بلطي عطوي . تونس
( ابنة الرّيح )
ما ظننتُنِي يوماً أركبُ محفّة الرّيح.
أنا ابنة الطّين أنهل عرق الأرض في أناة ومودّة.
تلك الأرضُ بسمرتها تلوّنُ بشرتِي ، تكتبنِي بحبرها السرّي في أقانيم الحياة ، ترسُمني في وريد الأيّام بذرة ، تضخّني في رحم السّحاب قطرة.
أنا سليلة الرّكض، ألبسُ في قدميَّ سياط الجُهد ، به أركلُ المثبّطات ، أتجاوزها.
على صدر الأفقِ أعلّق حُلمي قلادة من درّ تبهر الناظرين.
أنا نجم لا يعرف الضّباب إليه طريقاً ، لا تقدر عليه الدّورة الزّمنيّة ، وحده على مرمى الأمنية يصنع دائرة الوقت ، حركة لولبيّة تسقي البداية أمطار الوصول.
في عمق المجرّة تتسعُ دائرتي على جنباتها تشعّ القناديل ، تُزهر حولها الورود ، تتجمّع فراشات الطّيف والطّير بصدح بأحلى المواويل.
أنا ابنة الرّيح ، كائنٌ جَموح، سلسبيل يهطلُ من عمق الذّاكرة، يستعرض محطّاتِي.
رغم العناء تُشرق في طريقي شمس لا كالشّمس ، اعتدال الطّقس هنا يجعل مراوح الرّضا تهتزّ ، تربّتُ على الحُلم الوردي ، منه أرتشفُ جُرعة ، أسقي أصولي فيُونعُ في قدميّ الطّيب.
أنا ابنة الرّيح كتبتُ تاريخ ميلادي بعبق الرّوح.
عبر الأثير أسْري نفحة تُلهم الوجْد ، تلهبُ المجْد ، أراني في حُضن الكون كائنا يملك كلّ شيء ، نَفسٌ ، نبضٌ ، رَفّة ضمير تُعمّد سُمرتي ، تغسلُ طيني فيولدُ من حوض الصّفاء جنينٌ نصفه بشر وباقيه خلطة سحرية تسقط عنه الأنين .
أنا والرّيح وخطوة الصّدق نُلامس جوهر الطّين، نسقيه شربة بعث فيستيقظ من سبات الخاملين ، بكلتا يديه يحضنُ سمرة أرضه ، يشمّ ريح الحنطة المباركة ، يلوّح للأمل الواعد على كتف الغد ، يبتسم وحوله ترقص أنساغ السّنين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق