الأربعاء، 7 يونيو 2017

مونودراما حکاية عذراء من الحرشة المؤلفان : سالم الباوي سيد کاظم القريشي / مجلة قطوف أدبية / رئيس التحرير: سمر معتوق / نائب رئيس التحرير: نسرين العسال



مونودراما حکاية عذراء من الحرشة
المؤلفان : سالم الباوي
سيد کاظم القريشي
المشهد عبارة عن غرفة خالية وغير مؤثثة.. النور خافت..
تذرع الغرفة فتاة في السابعة عشرة من العمر،
ثم تجلس وتخاطب شخصاً ما أو شيئاً ما.. غيرَ مرءٍ للمشاهد..
یبدو أنها تخاطب طفلةً..
أتعلمين!.. عندما کنت في العام السادس من العمر، کنت فتاةً جميلةً وکانت جدائلي الکنستائية تبهر الرائي وکان أبي يحبّني حبّاً جمّا، کان يقول لي أنتِ الأجمل بين أطفالي علی الإطلاق، أنت شمعةَ البيت و کان کلّما يرجع أبي إلی البيت يبحث عني قبلَ کلِّ شيء لنمرح ولنلعب معاً ولکنني أُصبتُ بمرضٍ عضال وتوفيتُ، (صمت) رُغمَ جهودِ أبي ومحاولات الأطباء وسهر والدتي (صمت) وکنت أخشی الوحدة، لذا قرّر والدي دفني في قريته السابقة، قريةِ عرب عباس، بجوار عمته صبرية الذي طالما کان يلجأ إلیها عند الخوف والهلع (صمت) ولکنَّ قبرها بات اکثرَ وحشةً و رهبةً بسببِ التفافِ کمٍ هائلٍ من قصب السکّر عليه، وهکذا أصبحتُ وحيدة و لکنّکِ لستِ وحيدة فها أنا يومياً أحکي لکِ القصصَ قبل أن تنامي، (صمت)، حسناً، حسناً (تقترب من مخاطبتها)، سأحکي لکِ الآن (صمت)، کان يا ما کان، حسناً، حسناً (بنزق)، تذکرتُ، (صمت)، أعلم أنّکِ لا تحبين القصصَ والحکاياتِ التي تبدأ بـ «کان يا ما کان»، حسناً، حسناً (صمت)، لا تتذمري، حسناً، لقد نَسیتُ، نَسیتُ، دعيني أفکرُ قليلاً، أمي اللهُ یرحمها، (صمت)، عندما کنّا صغاراً، کانت تروي لنا القصصَ والحکاياتِ وکانت جمیعُ حکاياتها عن الجن والغيلان والأبالسة، (صمت)، کانت تخيفُنا بحيث کنّا لم نتجرأ أن نفتح عيوننا، (صمت) حکاية واحدة منها تکفينا لأسبوعٍ کامل، کنا نرتجف من المساء حتی الصباح کسعفة في يوم عاصف، (تخفض صوتها وتضحک)، کنّا أطفالاً.. کنّا نبلل الفراش، (صمت)، بعد ذلک کلٌّ منا يُلقي اللومَ علی الآخَر، کانت سراويل جميعنا مبللة، (صمت).. لا أدري أيُّ الحکايات أقصُّها عليکِ، حفظتها کلها، (صمت).. حسناً، حسناً، أصبحتِ تزعجينني، (صمت) ، (تعصر فودیها)، تذکرتُ، تذکرتُ، (صمت)، هل حکاية البنت بائعة أعواد الثقاب جميلة؟ .. أجل إنها جميلة جداً، کنتُ متيّمةً بحکاية البنت بائعة أعواد الثقاب، (صمت)، کنا نرغم أمي کل ليلة لتحکي لنا حکاية البنت بائعة أعواد الثقاب، (صمت)، المسکينة أمي، (صمت)، کانت مرغمة أن تجعل الفتاة بائعة أعواد الثقاب، بائعةَ ورودٍ في ليلة وتجعلَها تبيع المناديل الورقية في المفترقات في ليلة أخری .. وتارة تجعلها تحصل علی کأس العالم للسیدات في کرة القدم لبلدها، (صمت) ..ملخص القول إنها نقلت لنا حکاية الفتاة بائعة أعواد الثقاب بآلاف النسخ الجديدة، (صمت)، علی أيّ حال، کنا نحب حکاية البنت بائعة الأعواد الثقاب کيفما کانت وبأي شکل کانت، خاصة هناک عندما، .. (صمت)، لا.. لا .. أنا لا أُحبُّ القصص الحزينة والحکايات الأليمة، أود أنّ البنت بائعة أعواد الثقاب تبقی حيّة و تُغرم، (صمت) أنا أحب الحکايات التي أوّلاً بطلها لا يموت وثانياً يجب أن تکون بطلُ الحکايةِ فتاةً، (صمت)، نعم! الفتاة التي لا تُقهَر، يجب علی بنتي أن تسمع هکذا قصصاً و حکاياتٍ، (صمت)، نعم، نعم، .. (تتمشی) عالمٌ غريب، تمضي أیامُنا نتصور الحياةَ مسرحيةً و ليالينا تمضي بسرد هذه المسرحية، (صمت)، أحد الشعراء يقول: إنّ الحياةَ نومٌ عميق، تتنهي عندما يفيق المرءُ (صمت)، نعم! نومٌ بلا أحلام، (صمت)، في هذا السُّبات الطويل ولکوننا فتيات علينا أن نکونَ فتيةٌ حتی نتمکن أن نحيا کرجال في هذا العالم النسوي الحدیث، (صمت)، (ترجع إلی مکانها)، أغلبکِ النوم، (صمت)، (تنو الخروج ولکن، تنتبه إلی مخاطبتها)، استيقظتِ؟ .. (صمت)، حسناً، حسناً، أنا مذنبة إذ عوّدتکِ أن تنامي علی استماع قصصي، (صمت)، صرتِ لا تطاقين، کان عليّ أن أتصرف مثلَ أمّي (صمت)، أمي لم ترو القصصَ أبداً (صمت)، کانت تقول: لم تُخلقِ البناتُ کي تسمعَ القصص، (صمت)، إنما خُلقنَ کي يَخلِقنَ، (صمت)
لکنّ عالَمنا تغيّر، کلُّ شيءٍ تغيّر.. اجل کل شيء.. حتی هو، (صمت)، ماذا حدث؟!.. (صمت)، لا، لا .. لم ابکِ (تمسح دموعَها)، (صمت) أجل، ذکرته، (صمت)، من؟! .. أجل هو.. (صمت) الذکريات ستبقی طویلاً، طويلاً ..کالنقشِ علی الحجر .. بعضها جميلة والبعض الآخر مرة .. (صمت)، حياتي؟!.. أجل، حسناً .. إذا تعدينني بأن تنامي سأخبرکِ عنها، (صمت)، حظي السيء بدءَ من ذلک اليوم الذي وجدوا فيه رسالته في حقيبتي المدرسية (صمت)، کانت رسالةً مقتضبةً والتي کانت قد بدأت بکلمات الحب وما شابه ذلک، (صمت)، ليتني أحرقتها، ليتني أجبتُ عليها .. لا أدري، (صمت)، إنّ الإنسان بعد اغتراف الخطأ ينتبه لخطأه بأنّه کان قد أخطأ، (صمت)، أجل، حسناً.. تلک الرسالة الملعونة هي التي سببت بتعاستي (صمت)، من الذي وجد الرسالة؟..،إمي ..أجل، إمّي، (صمت)، أقامت الدنيا ولم تقعدها، (صمت)، (تذرع الخشبة جيئة وإياباً ثم ترجع إلی مکانها)، (تقف وتحملق في مخاطبتها)، رجوتُها، بکيتُ وذرفت الدموع، لکن إمّي کانت تشتم مزمجرة وقد ملأت الدنيا بضجيجها، (صمت)، ماذا حدث بعد ذلک؟ (صمت)، أخبرت والدي، (صمت)، والدي المسکين في تلک اللحظة الحساسة اندمج مع الحدث ورکلني في بطني بقوة إذ لم يکن لميسي القدرةُ علی تسديد رکلة کرکلته، (صمت)، فقدتُ الوعيَ بعد ذلک، (صمت)، مزقوا کتبي، (صمت)، من؟.. والدي ووالدتي مع إخوتي، ضاع مستقبلي وذهب أدراجَ الرياح بسبب رسالة،(صمت)، قيل إنّ الأبناء يقتلون آباءهم، (صمت)، برأيي، الأمهات أيضاً يقتلنَ بناتهنّ، (صمت)، کان بإمکانها أن تسأل.. من هو؟.. ما هو عملُه؟.. (صمت) ماذا قلتُ له؟.. ماذا قال لي؟..(صمت)، أوراقنا القديمة تتمزق وتبقی منها أشلاءً ممزقةً وبمرور الوقت تجتمع تلک الأشلاء وتصبح ذکرياتنا من الماضي، لهذا تبقی الذکريات دائماً جميلةً حقاً، (صمت)، هذه کلها تتعلقُ بالماضي، الله يرحمهما، (صمت)، المرحومُ أبي کان حنوناً طيباً .. کانت صورته معلقة هناکَ.. أجل هناک، کانت هناک أمامي معلقة، (تشير الی الجدار)، هناک، هناک بالضبط، (صمت)، (تفکّر)، لعلّها هناک .. أجل لعلها هناک (تشير إلی نقطة أخری)، لیس مهماً علی أيّ جدارٍ کانت، (صمت)، انشق قميصه في لحظة التصوير، کان ممزقاً،.. کانت الحرب مشتعلة، الناسُ في خضمّ الحرب لم يتسنَّ لها خياطة الملابس طبعاً .. المرء إذا کان مضطراً، يستطيع خوضَ الحرب في أزياءٍ ممزقةٍ وحتی في الملابس الداخلية، (صمت)، استشهد، (صمت)، قيل إنه قاتل کالأسد، (صمت)،.. الشهادة عصير لا تتجرأ الأغلبية أن تتجرّعها، (صمت)، الأطفال کحبة الإسبرين تُستخدَم لنسيان اللاذکريات التي استحالت الی ذکريات (صمت)، (تنظر إلی مخاطبتها)، کم تسألين؟.. کم تسألين، (صمت)، اوه استيقظتِ مرة أخری، (صمت)، عزيزتي أنا أيضاً أحتاج إلی النوم .. إنني تعبانة، (صمت)، نامي .. نامي .. قيل إنّ النوم نصفُ الحياة، (صمت)، أنا أحبُّ هذا النصفَ من الحياةِ اکثر من النصفِ الآخر، (صمت)،.. رُغم أنني لا أنام أبداً، (صمت)، تبدأ کوابيسي عندما أطبقُ جفنيَّ، (صمت)، حسنا، حسناً عزيزتي، لالالا، لالالا، (تذهب نحو مخاطبتها)، (صمت)، أتريدين أن أقصص عليکِ حکاية؟، حسناً (صمت)، حسناً.. اغمضي عينيکِ حتی أبدأَ بالقصة، (تجلس) کان يا ما کان، کان في قديم الزمان،کان غراباً وکان أکثر غربنة من الغربان، غراب حکايتنا کان يحبّ أن يکون وزة أو بطة، (صمت)، أجل! کان الغراب يذهبُ إلی صالة الحلاقة ليجعل تسريحة شعره کفتيان هذه الأيام ويقول بأنني بتُّ ديکاً، أجل، ديک، (صمت)، مثلُ ذلک الديک الذي أغراني، (صمت)، (تتکلم مع نفسها)، مغرم بکِ.. أحبکِ أنتِ أجمل ما في الدنيا، أجملُ من الجميع، (صمت)، الحق مع أمي، الکلام الجميل أقبح من الکلام القبيح، (صمت)، (نحو الجمهور)، خير ما فعلت عندما أعطيتُ الرسائل إلی أمي،کم کانت أمي عاقلة وحکيمة، (تقوم من مکانها وتذهب نحو الجمهور)، (بصوت أمها)، قولي له أن يخطبک، أجل! ليطلبَ يدکِ، أولستِ جميلةً، أوليس متيماً بکِ، إذن ليأتي ليخطبکِ، (صمت)، أجل! هکذا أصبح ديکُنا دجاجةً، (صمت)، قلت له إنني حامل، أجل حامل، خاف وارتعد، کم کان وجلاً، ارتعد من الخوف، النذل الحقير، إغراء فتاة بريئة لیس عملاً بطولياً، عديم الشرف النذل الحقير ظل يلطم علی وجهه، (صمت)،.. غريب، غريب جداً، لماذا ترکني وهو کان مغرماً بي، (صمت)، (أخذت تمشي)، (بصوت الفتی)، هل تحبل المرأة بواسطة رسالة، أمعقول هذا، هل أنا مجنون، (صمت)، کيف لي أن أعلمَ بأنّ هذا يحدث أم لا؟..(صمت)، أنا قلتُ ما قالت لي أمي، أنا نقلتُ له کلام أمي حيث قالت بأن يتم اللقاح بين الحبيب والحبيبةکالشجر، (صمت)، (بصوت الفتی)، کيف يمکن هذا؟.. لا، لا يمکن أبداً، (صمت)، الشجرة والإنسان يختلفان، (صمت)، قلت: لا يختلفان، کلاهما إثنان، (صمت)، إبي يقول، ماذا يقول؟.. (صمت)، إِ إِ إِ .. هذه نائمة!.. سيرجع والدي من الدوام قريباً، (صمت)، مسکين.. عليَّ أن أعدّ له فنجاناً من الشاي،.. هو رجلٌ طيبٌ.. أفضل أب ذلک الأب الذي يکون أباً بالغ الأبوة (صمت) مثل أمي التي هي أمٌ بالغة الأمومة، (صمت)، دائماً کنتُ أتمنی أن تکون لي والدة تشبه أمي، (صمت)، أحياناً آمالي تکون آمالاً غريبة، (صمت)، دائماً أتمنّی أنّ والدي ووالدتي يکونان والدي ووالدتي أنفسهم الحاليين، (صمت)، والدي لدی رؤية الرسالة في حقيبتي ضحک کثيراً، (صمت)، (بصوت أبيها) هذه الرسالة کتبتها فتاة، (صمت)، بعد زمن طويل اکتشفنا أنّ الرسالة، قد کتبتها إحدی زميلاتي التي کانت مغرمة بأخي وقد وضعتها في حقيبتي دون علمي، (صمت)، أخي کذلک، کان يفتح حقيبتي ويأخذ الرسالة ویقرأها ويکتب جوابها، (صمت)، بعد ذلک غضب أبي غضباً شديداً، (صمت)، کان يضرب والدتي، (صمت) کانت تمسکني والدتي من عضدي و تأخذني تحت السدرة بجوار المقبرة خارج المدينة، تجلس هناک و تبکي، (صمت)، أسألها لماذا تبکين؟! (صمت)، ترفع رأسها وتحملق فيَّ، (صوت الأم) الکل يبکي، حتی الأشجار تبکي، (صمت)، أسمع صوت بکاء تصر والدتي بأن البکاء يصدر من شجرة السدر، (صمت)، نبقی هناک لمدة طويلة، في الظهيرة أطلب من أمي أن نرجع إلی البيت، (صمت) في تلک اللحظة فقط ترجع أمي من شرودها وتنتبه لي .. ونرجع إلی البيت بسرعة .. للأسف نجد دائما أبي قد وصل قبلَنا إلی البيت (صمت)، (تتحرک علی الخشبة)، دائما يسبقنا بالرجوع إلی البيت ويکيل التهم السيئة إلی أمي، (صمت)، (تخفض صوتها)، ينسب لأمي أعمالاً مشينة، (صمت)، يقول إنّ جميع الأموات مغرمون بأمي، (صمت)، (تعضّ علی اصابعها)، بعد وفاة أمي ذهبنا إلی تحت تلک الشجرة ولکن لم يأتِ صوتٌ قطّ.. الأشجار لم تعد تبکي بعد ذلک..کان يقول أبي (صوت أبيها) حقّق الأموات أمانيهم، (صمت)، لا أدري ما هي أماني الأموات وکيف تحقّقت لهم، (صمت)، الأموات لأول مرّة يحققون أحلامهم، (صمت)، دائماً کنتُ أتصور .. کنتُ أتصور دائماً بأنّ الأموات لیس لديهم أمانٍ ولکن يبدو لديهم ذلک، (صمت)، وأحياناً – کما قال أبي – يحققون أمانيهم وأحلامهم، (صمت)، بعد موت أبي وعندما کنّا نذهب إلی المقبرة نسمع صوت بکاء وعويل الأشجار، (صمت)، تصدیقه صعب .. الأموات يبکون أیضاً، (صمت)، بکت شجرة السدر علی إثر بکاء الأموات أیضاً، (صمت)، أعتقد ذهب أبي إلی هناک وتشاجر مع الأموات الأخرين وربما قتل بعضَ هؤلاء الموتی (صمت)، کان الناس یشتکون بأن الموتی يربکون نومهم (صمت)، ضوضاء الأموات تربک صمتَ الأحياء.. الأطفالُ أصابهم السهاد، (صمت)، نُقل أن صراخ أبي کان عالياً جداً وعالمياً إذ کاد أن يفوز بکأس العالم للصراخ .. کان صراخه وعويله غريباً ومخيفاً.. تذمّر الناس وانزعجت المدينة بکاملها، وصل الأمر لصدور بيانية من قبل المجلس القروي لنقل جثمان أبي إلی مکان آخر، لم نقبل.. لم يکن بأمکاننا أن نقبل، لأن والدي کان مغرماً بوالدتي غراماً لا يوصف، (صمت)، بُعَید وفاة أمي.. کان أبي یرفض موتها ولم يتقبلهُ، لم يتجرأ أحد أن يقول له إنّ والدتنا قد توفيّت، (صمت)، في يومٍ من الأیام دخلت فراشة إلی غرفة أبي، نهض والدي وطارد الفراشة في أرجاء البیت، کان يصیح: «تعالوا،.. روح والدتکم هنا!»، لم نجرأ علی قول کلمة واحدة، (صمت)، أذکر أنّه ذهب إلی المطبخ وأعدَّ الشاي، وطلب منّي طبخ الأکلة المفضلة لوالدتي، (صمت)، قام والدي مرّة أخری بمطاردة الفراشة المسکينة حتی تهاوت علی الارض من الإجهاد وماتت، (تأتي نحو الجمهور)،صرخ بنا أبي: «قد ماتت روح والدتکم» کانت صرخته مدوية بشکل غريب حيث تشقّقت علی إثرها جدران البيت، مسک الجیران هلعين آذانهم وبدأوا بالصراخ، ولقد رأی أحدُ الجيران المخلوقاتِ الفضائيةَ اللاتي جاءت إلی الارض بغية عقد اتفاق صلح مع أبي ليکفَّ عن الصراخ، طبعاً هذه کانت مجرد إشاعة، (صمت)، قال لنا أحد الجيران إنّ المخلوقات الفضائية قالوا له: «صیدوا فراشة واترکوها في غرفة الأب حتی يهدأ»، (تخفض صوتها)، (صوت الأب)، ها! رجعتي، فکّرتُ للحظة بأنّکِ ترکتيني لوحدي (صمت)، (صوتها) انقطع صوت العويل والبکاء مع مجيء الفراشات، من ذلک اليوم صار ديدننا (عملنا) الذهاب إلی الصحراء والبساتين واصطياد الفراشات وترکها في غرفة أبي، (صمت)، ظل والدي يطارد الفراشات ويدعوها لاحتساء الشاي ويهيئ الطعام و يتکلم برومانسية وينطق بکلمات الحبّ وصار يتکلم عن برامجه للمستقبل، (ترجع إلی مکانها ومکان تواجد مخاطبتها)، هل نمتِ؟، سيغضب والدي ووالدتي، إنهما يقولان بأنني يجب أن لا أحکي قصصاً لنفسي، لکنني عاشقةٌ لقصصي وحکاياتي، أنا أحبُّ حکاياتي، أقول لهما: إنّهُ من المثير جدّاً أن أقصص لنفسي حکاياتي، (صمت)، هما لم يجرّبا القصَّ لأنفسهم، (صمت)، حکاياتي أجملُ حکاياتِ العالم، رُغم أنّ الآخرين يعتقدون غير ذلک، (بنزق) مثلاً: نقلت بالأمس في الصف حکايةَ تلک المرأةِ التي کانت مغرمةً بسرد الحکاياتِ وکانت کلَّ ليلةٍ تسردُ الحکايات لزوجها وقد تعب الزوج من قصص زوجته وبحجة العمل جمع أغراضه وذهب إلی السفر والطريف في القضية أنّه حتی آخر لحظة کانت المرأة تقصُّ القصصَ لزوجها وهي تحمل قدحَ الماءِ لتسکبَه خلفه، (صمت)، المرأة المسکينة لأنها لم تجد أحداً لأيام طوال لتحکيَ له الحکايات، ملأت مرة أخری القدحَ (نحو الجمهور)، خرجت من البيت، سکبت الماء خلف نفسها وثمّ ذهبت، وکلما صادفت أحداً نقلت له الحکايات حتی اجتمع أهل المدينة وراحوا يبحثون عنه، ثم وجدوا زوجها المسکين الذي کان مختفياً في الأودية والجبال وبين الصخور وأرجعوه إليها لينجوا من قصص زوجته وحکاياتها، یا له من رجل مسکين، عليه أن يسمعَ حکايات زوجته التي لا تنتهي، (صمت)، جميع البنات ضحکنَ منّي، کانت تلک اللحظة أغربَ لحظةٍ في حياتي، لأنّ قصصي کانت تراجيديا ولکنهنّ تصورنها قصص کوميديا، (صمت)، بعد زمان طويل اکتشفتُ بأن القصص التي تبکيني وتحزنني تُضحک الآخرين وتُبهجهم، (صمت)، أسمع صوت أمي وأبي، (صمت)، يأتيان من السهرة، (صمت)، عليَّ أن أذهب لأننا أنا وأمّي مغرمتان بقصص أبي التافهة، (صمت)، أنا وإخوتي مرغمون علی الاستماع إلی قصص أبي حتی لو کانت بلا معنی، (صمت)، کنّا نضحک وأحياناً کنّا نبکي إذا کان واجباً، (صمت)، اذا لم نتصرف بهذا الشکل، سوف يضربنا والدي ويعنّفنا، أمي تقول: «کل شيء تفعلونه أنتم في النهار سيراه والدکم في تلک الليلة في المنام (الحلم)، (صمت)، الحق معها، (صمت)، والدي أخبر والدتي عن وجود الرسالة، (صمت)، کانت أحلام أبي دقيقةً جداً و مصيبًة بحيث لم نتجرأ أنا وأخوتي أن نعمل عملاً لا یرضاه أبي وأمي، (صمت)، بل یری أحلامنا في أحلامه، (صوت الأم): «والدکم يقول إنّکم قد رأيتم في أحلامکم کذا وکذا»، أبي موجودٌ غريب، (صمت)، لکنّه رُغم ذلک إنّه طيّب، إنّه طيّب ولطيف لدرجة بحيث عندما ساءت أحواله الصحية ودخل المستشفی اجتمعنا کلّنا حوله وبکينا وذرفنا الدموع لأجله، کان أبي يحملق في المصباح الکهربائي المعلق من السقف، (صمت)، (صوت الأب)، ليت اللهَ يزد في عمري طويلاً حتی أنظر إلی ذلک المصباح والجدران البيضاء لمدة أطول.. أنظر الیها بمتعة، أروي نفسي من النظر إلی حولي، (صمت)، أنظر إلی الجدران والأشجار والجداول والأطباء والمرضی والممرضين وحتی الذباب کي أتروّی من النظر الیها، (صمت)، يقول بحزن، (صوت الأب)، أنا دائماً أری أحلاماً متشابة، دائماً أری نفسي مکفوفَ البصرِ .. أری الظلام، الظلام، الظلام وحده، وعند الصباح عندما استيقظ أفرح کثيراً لأن العمی يأتيني في المنام فقط، (صمت)، حسناً لأذهب کي آکل وجبة الغداء، ثم أکتب تکاليفي المدرسية، (صمت)، لا أستطيع أن أمضي وقتي کلَّه هنا، (صمت)، (تخرج)  
                   

 آذار وإبریل 2017

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخر ما نُشر في قطوف

كدمة بقلم الشيماء عبد المولى . الجزائر

″ كدمة ″ كلُّ الكدمَاتِ مُوجِعة وجعًا لا يُطاق يحاصرُ كلَّ قلبٍ مَريضٍ و كلَّ جفنٍ مُترَعٍ بلَيَالِي الانتظَار يطُولُ الوقتُ عَمداً تَلت...