النفق .. ( السابعة عشرة )
دخلت المستخدمة .. بابتسامتها الشيطانية ولهجتها المقيتة .. تسأل عن الوافدة الجديدة .. وهي تشتم وتتوعد ..
فتحت باب الغرفة وتركته لينكشف سريرها على كل من يعبر الرواق ..
ثم راحت تنزع عنها ثيابها بالقوة .. في حين كانت غيداء تتوسل إليها بالله بأن تسترها ..
فردت عليها بشتم ( الذات الإلهية ) ثم قالت :
- خايفي حدا يشوف سيقانك .. انتو كلكن عاهرات
للجيش الكر ..
● ببوس ايدك .. عملي اللي بدك اياه .. بس غطيني ..
- اي اي .. راح غطيك .. بس خلي شباب الفرع يمتعو عيناتن شوي .. حرام ولوو
كانت تدعى أم أسد !! وهي نصيرية متعصبة ..
وكان معروف عنها كرهها الشديد للثورة والثوار ..
ومشاركتها بتصفية العديد من الجرحى في ذات المشفى ..
كان الطبيب قد وضع لغيداء قثطرة بولية .. وكان كيس البول عندما استفاقت شبه ممتلئ ..
كانت أم أسد هي من وضعته بجانب رأسها ..
وقبل خروجها قامت بثقبه .. ليسيل البول على جسد غيداء .. ليختلط بالدماء التي سالت من عدة جراح ..
أغلبها كان نتيجة الضرب المبرح الذي تعرضت له من عناصر الدورية ..
لم تأبه غيداء للبول يغرق جسمها ..
كان كل همها أن تستر جسدها ..
ببقايا مزق ثيابها ..
اقتربت المستخدمة من وجه غيداء .. ثم بصقت عليه ... قائلة :
بدك حرية أكيد .. الليلة الرقيب غدير .. راح يعطيك كثيررر حرية .. ثم صفعتها بشدة .... وغادرت .
وحينها أطل رجل أمرد .. بعينين نجستين ..
أطل برأسه فقط .. وقال :
أنا الرقيب غدير .. جهزي حالك الليلة ..
قرد المته معكين آبتنتسى !!
لم تكن تعرف .. أكانت ترتعش من الخوف أم من البرد ..
أم من ذاك الكم الهائل من القهر ..
حتى دموعها .. خذلتها ..
وأغمضت عينها تجأر بالدعاء .. ولسان حالها يقول ..
اللهم أنت ربي .. لا إله إلا أنت .. حسبي أنت ..
اللهم تفضل علي بالشهادة .. قبل أن ينالوا من عفتي .. يااااارب .
في النفق ..
كانت أم عمر مازالت تبكي .. وتبحث عن وجه أبو نور في ذلك الظلام الدامس .. ونادته ..
- خيي ابو نور .. شو راح يصير .. معقول نموت هون
وزينب وأبوها بين ايدهن ..
● الله مابينسانا ..
- دخيلك يا أبو نور .. متت العطش ..
● عطشانة ؟؟
- عمقلك راح موت من العطش .. انا من امبارح بالليل معهن .. ومادقت دمعة مي ..
● تكرمي ام عمر .. 10 دقايق بتشربي وبتاكلي كمان ..
لم يسعفها بصرها أن ترى ملامح وجهه من شدة الظلام .. لتعلم إذا قال ماقال ساخرا .. أو انه يعني مايقول ..
في تلك المزرعة ..
كتبت له رسالتها الثالثة .. او ربما الخامسة .. وقالت ..
لا أعرف إن كنت ستقرأ يوما رسائلي ..
ولكن .. أحببت أن أذكرك يوم ضممتني من الخلف وأنا أغسل الأطباق .. قلت حينها وأنت تطوقني بذراعيك .. شابكا يديك على صدري ... هامسا :
ياروح الروح ..
بعد أن غبت عني ليومين .. كتبت لك رسالة على جوالي .. لكني لم أرسلها .. وأحببت أن أبثها أذنك بروحي .. فأغمضي .. واسمعي ...
أفتقدك ..
تعبرين ذاكرتي
طيفا ..
عصي الملامح ..
وترهقين ماتبقى مني ..
شغفا .. وهياما
وحلما يشظي الروح ..
أشتاقك ..
تفضحني دموعي ..
ويغتالني البوح ..
حين أنهى همسه .. كانت جميع الأطباق غارقة بالماء الذي فاض دون أن تشعر ..
وكذلك كلا روحيهما غرقت بحرارة عناقهما ..
ولو إلى حين ..
-----------------
النفق .. ( الثامنة عشرة )
نهض أبو نور يغالب قهره .. وقال لأم عمر أن تنتظر
وسوف يعود بعد قليل ..
كان النفق قد جهز لهكذا طارئ .. ففي مكان ما من أحد جدرانه .. كان هناك مستودع صغير عل شكل خزان الماء حفر له في الصخر .. وكان عليه أن يجده
فسار باحثا عنه وهو يدعو بأن لايكون الركام قد حال بينهما .
انتصف الليل .. وهدأت حركة العاملين في المشفى ..
كان الوسن يثقل جفنا غيداء ، ولكن الرعب الذي سكن روحها قض مضجعها لدرجة أن نسيت حتى ألم جراحها ..
دخل عليها ممرض في مقتبل العمر ..
وبينما كان يحقن كيس المصل ببعض الأدوية .. نظر في عينيها المحمرتين .. فأشاحت بوجهها عنه .. ثم غطى انفه بكمامته وقال ..
● شو هالريحة ..
فلم تجب .. وأخذت تصر صدرها بكلا ذراعيها المرتجفين ..
فاقترب منها مستطردا ..
مين حط كيس البول هون ..!! ( ونكزها من كتفها )
○ المستخدمة ..
● أم أسد ؟؟؟؟
○ مابعرف شو أسمها ..
● الحقيرة .. كل يوم إلها فصل ..
استغربت من كلامه .. ونظرت في وجهه .. فاقترب هامسا وهو يرقب الباب :
ماتخافي .. بإذن الله راح اساعدك ..
ياالله ....
رجف قلبها ..
في وسط هذا الوجع .. كان صوت الممرض الشاب كالبلسم ..
○ أنا داخلة على الله .. ببوس ايدك بدي احكي
مكالمة ..
● وطي صوتك الله يستر عليك .. العناصر بالممر ..
○ حاضر حاضر .. بس الله يحميلك اختك ساعدني .
● هاتف هلق مستحيل .. اصبري علي ..
○طيب .. ببصبر .. بس الله يخليك .. غطيني بردانة ..
● خيتي ثيابك كلها بول .. راح أدبرلك ثياب غيرن
بس آخر الليل ..
ووضع سبابته على فمه .. وغادر .
بينما كانت هي تدعو له .. حامدة ربها بأن أرسل لها من يقف معها في محنتها ..
وبعد مرور بعض الوقت ..
دخل عليها المدعو غدير ..
وأقفل الباب من الداخل ..
ثم اقترب منها .. وهو يحل نطاق بنطاله ..
وبالعودة إلى أبو نور ..
فلقد استطاع أن يصل إلى المستودع .. وعاد بعبوة مياه و ببعض المعلبات .. وشمعة وعلبة سجائر جافة ..
وقبل أن يصل إليهم أصدر هاتفه صوتا يخبره بقرب نفاذ الشحن ..
وتذكر أنه قد وضع في حقيبته ( البور بنك ) ..
وقد يكفيه ليومين إضافيين ..
أشعل الشمعة ..
وألقى للشاب علبة ( طونا ) ثم أعطى أم عمر عبوة المياه .. فراحت تشربها دون أن تلقي بالا لرجاءه لها بأن تقتصد .. فأخبرها أن كمية الماء قليلة جدا ..
فتوقفت .. ولاتدري أدموعها التي تمسح عن وجهها .. أم بقايا الماء ..
كانت طوال الوقت .. تئن هامسة .. تردد اسم ابنتها زينب ..
ثم التفت أبو نور إلى الشاب وقال :
والله المي حرام فيك .. بس دينا علمنا غير هيك ..
خود تسومم ...
في المزرعة لم يغمض جفن أم نور .. وخصوصا بعد أن أخبرها أحد الشباب بأنهم سيتركون المكان فجرا .. فهو غير آمن ..
فعادت إلى هاتفها وقرأت من ذكرياتهما ..
كتب لها ذات شوق ..
ياجبال الشوق يكفي
فالنوى أدمى الفؤاد
ألف ذكرى تعتريني
بات يشقيني البعاد
أين انت يا مرادي
هل للقيانا .. معاد ؟؟
وفي المشفى ...
( يتبع .. )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق