الثلاثاء، 16 مايو 2017

عدد جديد من (إضاءات) للناقد و الأديب: عادل لخليدي / مقاربة في قصيدة (عبر الخيال) للشاعر السوري: محمود قدور / على فرسان اللغة و الأدب / مجلة قطوف أدبية / رئيس التحرير: سمر معتوق / نائب رئيس التحرير: نسرين العسال



السّلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
أسعد بلقائكم أساتذتي الأفاضل في فقرة ( إضاءات نقدية ) و هذا العدد سيكون بعنوان:
" قَلبُ المُعَنَّى مِن خَيَالِكَ مَا خَلاَ "
مقاربة في قصيدة ( عبر الخيال ) للشّاعر السّوري محمود قدور.
القصيدة :
عَبرَ الخَيَال
عبر الخيال سَرَى الإلفَانِ فَاجتَمَعَا ــــــــــ في جَفنِ أُمسِيةٍ - في كَوكَبٍ هَجَعَا
واللهفةُ امتزجت ، تزكِي عِناقَهُمَا ـــــــــــ وجفنُهَا - فَرَحاً - بالملتقى دَمِعَا
وناشرَ الطّيبَ انسَام تكادُ تُرَى ـــــــــــ هَلكى بما حَمَلت من جنة سِلعَا
والزّهرُ شَكّلَ في آفاقنا سُحُبا ــــــــــــ خِيلَ الربيعُ إلى عليائنا ارتفعا
وكلُّ عارضةٍ بالزّهرِ تمطرنا ــــــــــــ من كلِّ لونٍ به الرَّسامُ قد طَمِعا
حتى تَبدَّى أديمُ الأرضِ مفترشاً ـــــــــــ مَا هاجس الفكرَ أو في خَاطرٍ وقَعَا
مِنهُ اتّخذنا بكلِّ الشوقِ مَجلِسَنا ـــــــــــ حيث هِمنا غدا للشوقِ مُنتجعا
فَهامستني: وَباستحياءِ عاشقةٍ ــــــــــ تخفِي هواها على مَن في الهَوى ضَلعَا
هَل لي بِشعرٍ رديفِ الخَمرِ يَجعلُني ـــــــــ أفُكُّ أَسرِي وأنضُو بِردَتي قِطَعَا
فاستمِيل بأُنثى رَوعتي رَجُلاً ـــــــــــ بين الحقيقةِ والأحلامِ قَد جَمَعا
فرحت أسمعها شعرا سما غزلا ــــــــــــ به ترنم حور العين إذ سمعا
حَاسَيتُهَا الشَّعرَ خمراً بالهوى مُزِجَت ـــــــــــــ والكوبُ من ألَقِ الأقمارِ قد صُنعا
فاشتفَّت الكأسَ ما أبقت بِها رَمَقا ـــــــــــ حَتَّى إذا طَرِبَت واسترسَلَت دَلَعَا
قامت تُراقِصُ آهاتِي على نَغَم ـــــــــــ سَلُوا الرَّبَابَة كم أنّت بِهِ وَجَعٍا
ثُمَّ استَحَالت إلى طيفٍ مُوَدِّعَةً ـــــــــــــ فالطَّيرُ أعلنَ أنَّ الصُّبحَ قَد طَلعَا...
التحليل :
يتصل موضوع القصيدة اتصالا وثيقا بحالة الشاعر التي يعيشها ، إذ نراه كما الأسير تماما علقت روحه بامرأة من سراب .
لقد آتى الشّاعر لنفسه متّكأ ألا و هو الخيال كبديل لأمر لم يُنَل حقيقة ، كون الخيال أحبّ الأشياء للنفس ، فراح ينسج أحداث قصّته مع فتاة بعثت بسهامها صوب قلبه فأردته صريعا يتهادى كالنّشوان فراح يستمدّ مادة الصّور الشعرية من ملامحها التي تتراقص في مخيّلته و ينقل إلينا تفاصيل ذلك اللقاء و هو يسترسل في وصف المكان وهو بساط الطبيعة التي تلوّنت بألوان الفرحة ، حيث الزهر الجميل ، و الهواء العليل ، مكان مناسب لإفراغ شحنة الشّوق المكبوتة ، كما أن الوقت مناسب أيضا للبوح بمشاعر الحنان و لهفة اللقاء الذي عادة ما تتداخل فيه المشاعر و تتناسل فيه الكلمات الصّماء المرتعشة على الشّفاه ، و هنا نلفي المرأة تهمس قائلة :
هَل لي بِشعرٍ رديفِ الخَمرِ يَجعلُني ــــــــــ أفُكُّ أَسرِي وأنضُو بِردَتي قِطَعَا
و بينما هي تعبر نهر الانتظار و التّوقّع حتّى ارتدّ إليها صوت الحبيب الشّاعر فراح ينثر درره الشّعريّة نزولا عند رغبتها و هو يتوقّع منها أن تكمل شرب قصيدته ذات الكلمات المعتّقة ، إلاّ أنّها فاجأته برقصات أشبه برقصات الغجر الجذابة ، التي حتّى الرّبابة راحت تئنّ من سطوة الرقص .
وتدنو نهاية القصيدة معلنة نهاية اللقاء كذلك بانقضاء الهزيع الثاني من الليل و قضاء النفس حاجتها من اللهو العازف الراقص و السّمر الطويل فها هي جنّيته العاشقة تتلاشى في الأفق مع أولى خيوط الصّباح و ترحل دون أن تخمد جذوة الشّوق و أنين البعاد ، بل راحت توقد نارا معنوية أشعل فتيلها الخيال .
العاطفة:
عاطفة الشّاعر صادقة و هو ما جعل لوحة القصيدة الفنية ترسم بكل أريحية لتحقّق بذلك نوعا من الـتّأثير على المتلّقي الذي رافقه طيلة رحلته الخيالية.
الصور البيانيّة:
و ممّا دعّم وظيفية العنوان و منحى القصيدة التّصوير الخيالي الذي اعتمده الشّاعر و هنا سنقف على بعض الصّور البيانيّة منها :
ما ورد في البيت الثّاني ( و لهفة امتزجت تزكي عناقهما ) استعارة مكنية حيث شبهت اللهفة وهي أمر معنوي بإنسان يزكّي عملا معيّنا.
و في البيت السّابع (مِنهُ اتّخذنا بكلِّ الشوقِ مَجلِسَنا ) كناية عن ما بعد اللقاء الذي طال انتظاره .
و في البيت الثّاني عشر ( حَاسَيتُهَا الشِّعرَ خمراً بالهوى مُزِجَت ) تشبيه بين الشّعر و الخمر و وجه الشّبه بينهما التّأثير على العقل و هو تشبيه ضمني .
المحسّنات البديعيّة التي أوردها الشّاعر لتوضيح المعنى :
*التّصريع :في مطلع القصيدة:
عبر الخيال سَرَى الإلفَانِ (فَاجتَمَعَا) ـــــــــــــ في جَفنِ أُمسِيةٍ - في كَوكَبٍ (هَجَعَا)
*الطّباق: بين كلمتي : ( الحقيقة و الأحلام ) و هو طباق إيجاب.
*الجناس: بين كلمتي: ( دَمِعَا و سَمِعَا ) و هو جناس ناقص .
ختاما يكشف هذا النّص عن جملة من الأمور منها :
*شخصية الشّاعر ذات الحسّ المرهف و العاطفة الجيّاشة.
*شخصية الفتاة المحبوبة التي ليست ككل النّساء .
*جوانب من قصّة الحبّ التي لربّما عاشها الطرفان أو لا يزالان يعيشانها.
*أسلوب الشّاعر الذي يوحي بأنّه قد خطى خطوات كبيرة في الكتابة من خلال تجربته الشعريّة.
خالص تحياتي و تقديري للشّاعر محمود قدور و للمشرف الأستاذ حمدي الكحلوت أبو عماد و لجميع فارسات و فرسان اللغة و الأدب.
محبّتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخر ما نُشر في قطوف

كدمة بقلم الشيماء عبد المولى . الجزائر

″ كدمة ″ كلُّ الكدمَاتِ مُوجِعة وجعًا لا يُطاق يحاصرُ كلَّ قلبٍ مَريضٍ و كلَّ جفنٍ مُترَعٍ بلَيَالِي الانتظَار يطُولُ الوقتُ عَمداً تَلت...