الأحد، 14 مايو 2017

الحلقتان الحادية و العشرون و الثانية و العشررون/ من السلسلة السرديَّة "النَّفق" / كتبها: خالد جوير (حرف عتيق) / مجلة قطوف أدبية / رئيس التحرير: سمر معتوق / نائب رئيس التحرير: نسرين العسال



النفق .. ( الحادية والعشرون )
 وذُهل لهول ما رأى ..
وقبل أن يصل أحد راح يستر عورتها بعجالة .. يفرق لحمه النجس عن لحمها الطاهر .. يخفي دموعه مستفيداً من الغبار والدخان يلف الغرفة ..
ولسان حاله يقول .. رحمك الله يا أختاه ..
وفي هذه الفوضى لمح مسدس القتيل .. فأخفاه بين ثيابه وانسل مغادراً بين هلع الناس وصراخ المسعفين ..
في النفق بدأ أبو نور وصحبه يسمعون صوت الحفر من كلا الطرفين ..
فطلب من الشاب وأم عمر المشي باتجاه  المخرج ..
فقاموا يتلمسون الجدار دونما معارضة ..
ساقهم أمامه ينير لهم بنور مصباح هاتفه ..
ويحمل في يده الأخرى ما تبقى من طعام وماء ..
كانوا منهكين .. تفوح من أجسادهم رائحة كريهة ..
كل يضمر في نفسه أمراً ..
في المنطقة المحررة والتي لجأت إليها أم نور ومن معها ..
وفيما ينتقل الموكب الصغير إلى حافلة صغيرة ..
تعرض المكان لغارة جوية ..
وانهالت البراميل تِباعاً .. تُحرق الأرض بمن فيها ..
ارتمت أم نور على الأرض ..
لم تكن تشعر بشيء ..
تحسست جنينها ..
شعرت بسخونة تجتاح أناملها الباردة ..
ضغطت على الجرح ..
وقبضت بيُسراها على هاتفها فلم تشعر بوجوده ..
نظرت إليه ..
فرأته قربها ..
تقبض عليه أصابعها بشدة ..
ولكن .. كف يدها وهاتفها .. كلاهما بات بعيداً ...
هرع المسعفون ..
حملوها .. فهمست تأئن بأذُن المسعف .. :
- الله يخليك .. جبلي جوالي
• وين جوالك !!
- هناك .. هو وكف أيدي ..
•  ياااا الله ..
- ولايهمك .. بس بدي الجوال والمحبس ..
صرخ المسعف على أحد زملائه أن أحضر الكف وغادر  
يحملها تشخب دماً..بشفاه مبتسمة ..
في النفق ..
توقف أبو النور فجأة ..
أحس بشيء غريب في صدره ..
وخزة اخترقت قلبه ..
قبض على أيسره .. ودعا ربه ... ( لطفك يارب )
في المشفى ..
كانت أم أسد تجمع بقايا اللحم المختلط .. بعد أن تم نقل الجثتين إلى براد المشفى ..
فشاهدت قرطاً صغيراً من ذهب يتدلى من قطعة لحم بحجم الأظفر ..
أخفته في صدرها دون أن تنزع عنه اللحم .. وراحت تفتش عن القرط الآخر متظاهرة بأنها تنظف المكان متباكية على ( الشهيد ) غدير !!
وصل أبو نور ومن معه إلى بداية الركام عند نهاية النفق حيث بات الصوت أقوى ..
جلس ليريح ظهره للجدار .. فصرخ متألماً ..
اقتربت أم عمر وطلبت منه الهاتف لترى ظهره ..
وعندما حاولت رفع قميصه .. لترى سبب ألمه ..
لم يترفع معها لأنه كان ملتصقا بجلده .. تغطيه الدماء اليابسة ..
فأمسك ذراعها متألماً .. فهمست له .. تحمل ..
ونزعت القميص .. فسالت الدماء من جرح في منتصف ظهره ..
فمزقت من القميص مزقة وضغطت على جرحه ..
نادت الشاب وطلبت منه أن يحمل الهاتف .. ويسقط الضوء على الجرح ..
ثم طلبت منه أن يخلع قميصه ليكون ضماد ..
وما إن بدأ بخلعه حتى فاحت منه رائحة كرائحة الجيفة .. فطلبت منه أن يتوقف .. فقميصه سيجعل الجرح أكثر التهاباً ..
ثم طلبت منه أن يدير وجهه ..
وخلعت حجابها ..
وقالت :
- انا بدون حجاب .. من هلق لحتى نطلع اذا الله كتبنا نطلع ..
  ماحدا يدير ضو الجوال على وجهي .. سامعين ..
وربطت حجابها حول جسده تضمد جرحه محاولة وقف النزيف ..
وحال انتهائها تراجع الشاب .. بعد أن أعاد الهاتف لأبي نور
وأثناء ذلك لمح مسدسه بجانبه ... وغاب في الظلام ..
ألقى أبو نور برأسه إلى الجدار ..
وهمس لها في قلبه :

قل للحنين أن يفارق روحنا
ماعدنا نقوى والفؤاد مرمد
هل لي إليك من سبيل أرتجي
فيه الوصال والضلوع ترقد
أين الليالي وحدود سحرك مرقدي
واللاثمات فوق ثغرك توقد !

وغفى يستذكر أحلى أيام عمره ..
ثم أحس على حركة غريبة .
-----------

النفق .. ( الثانية والعشرون .. ما قبل الأخيرة )

ظهر ضوء صغير من جهة بداية النفق حيث كانت قوات النظام أسرع بالحفر ..
في هذه اللحظة كان الشاب يحاول أن يختلس مسدسه ..
فأمسك بيده في آخر لحظة ..
تعاركا ..
فقامت أم عمر بضرب الشاب على رأسه من الخلف ..
حينها استطاع أبو نور أن يسخلص المسدس ..
لكن ذلك الغادر استطاع الوصول إلى السكين ..
فجرحه بيده وشد أم عمر من شعرها وطعنها في خاصرتها وهرب باتجاه الضوء ..
تحامل أبو نور على جرح معصمه الغائر واقترب من أم عمر صارخا :
- ام عمر انت صرلك شي ؟؟؟
• ضربني بخاصرتي ... ماعليك فيني .. لحقو للكلب ..
كان يكلمها وهو يشيح ببصره عن شعرها بعد أن أصبح الضوء أقوى ..
ركض خلفه والضوء في عينيه .. لقم المسدس بفخذه لأن يسراه لم تستجب ..
وصل لبداية النفق ..
رآه يحفر ناحية الضوء بكلتا يديه .. صارخا أنا هون أنا هون ..
كان يستطيع قتله لكنه يدرك في قرارة نفسه أنهم سيموتون ان دخل الجيش وكان ذلك العنصر مقتولا ..
فأطلق النار على قدميه حتى أصابه ..
واقترب منه وأخذ السكين وقام بسحبه بيمناه من ثيابه بعد أن تأبط المسدس بذراعه الأيسر ..
بينما كان العنصر يصرخ من شدة الألم ..
وصل به لنهاية النفق .. حيث علت أصوات الحفر من جانب رفاقه ..
كانت أم عمر تقبض على جرحها تئن بصمت .. بينما كانت الدماء تسيل من بين أصابعها ..
ألقاه عند أقدامها ..
ثم سقط هو بجانبها ..
كان نزف العنصر شديدا .. وكذلك نزف يسراه ..
فلقد قطعت السكين شراين يده عند المعصم تماما ..
اختلطت دماء الثلاثة ..
تحامل على جرحه ..
خلع قميصه ومزقه بأسنانه ثم أخذ مزقة وربط معصمه بيمناه وأسنانه ..
ثم خلع قميصه الداخلي وستر به شعر أم عمر .. والتي بدأت تفقد الوعي ..
فرفعها بصعوبة وهو يصرخ بها أن تصحو .. وأن لاتستسلم
وقام بربط خاصرتها ببقايا القميص ..
ثم ارتمى على بطنه بجانبها ..
نظرت إليه .. وقالت بصوت متقطع .. ( ظهرك رجع ينزف )
لم يجبها ..
كانت أنفاسه المتسارعة تحفر في التراب تثير القليل من الغبار .. والذي على قلته جعله يغمض عينيه .. ويرحل إليها ..هناك على إريكة الجلد السوداء .. حيث كان يجلسان كل ليلة يتقسمان فنجان القهوة .. والكثير من الشغف ..
همس لها ..
 بعض الورود إن غابت تداعبنا
بالعطر حينا وبالأحلام أحيانا
شقي العطر إن غبت يلازمك
فالعطر يأتي إذا اشتقناه إنسانا ...
أين العيون و شهد الثغر أقطفه ..
ماهمني الموت ودفء الحضن أكفانا

رقد الثلاثة .. بلا حراك ..
وعم الصمت إلا من صوت المعاول .. يعلو شيئا فشيئا ..
ثم .. ( يتبع )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخر ما نُشر في قطوف

كدمة بقلم الشيماء عبد المولى . الجزائر

″ كدمة ″ كلُّ الكدمَاتِ مُوجِعة وجعًا لا يُطاق يحاصرُ كلَّ قلبٍ مَريضٍ و كلَّ جفنٍ مُترَعٍ بلَيَالِي الانتظَار يطُولُ الوقتُ عَمداً تَلت...