الجمعة، 24 مارس 2017

الحلقتان الأولى و الثانية من :النَّفق/ سلسلة سرديَّة يكتبها: خالد جوير (حرف عتيق) / مجلة قطوف أدبية / رئيس التحرير: سمر معتوق




النفق .. ( الحلقة الأولى )

إنها الواحدة بعد منتصف الليل ..
هجره المنام ... بينما كانت هي تغفو بجانبه كطفلة تلوذ بخاصرة أمها بحثا عن الدفء بليلة من ليالي كانون الطويلة . ..
راح يتأمل وجهها الملائكي .. يمسح على شعرها تارة ..
وعلى جفنيها تارة أخرى ..
كانت بين الحين والآخر تشعر بدفء لمساته ..
فتمسك بيده وتقبلها دون أن تفتح عينيها ..
ثم تعود لتغط بنوم عميق غير آبهة لأصوات القذائف التي تسقط في الجوار .. ربما لأنها اعتادتها منذ خمس سنوات ونيف .. وربما لأن حضنه أكثر أمانا من أي مكان آخر على وجه الأرض ..
لم تعلم بقراره بعد ..
ذلك القرار الذي سيغير حياتهما .. وإلى الأبد ..
عندما أثقل الوسن جفنيه .. سمع صوت المؤذن ينادي لصلاة الفجر ..
تشاهد .. وانسل من جنبها كي لايوقظها ..
توضأ .. وشرع بصلاته في الحجرة الثانية ..
كان يتلو الآيات جهرا ..
وفي الركعة الثانية .. تردد لمسامعه صوت اصطكاك أسنانها ..
أنهى صلاته والتفت إلى الخلف .. فرأها تقوم للركعة الثانية تتم صلاة المسبوق وهي ترتجف ..
ابتسم وبدأ بورده الصباحي ..
وفي غضون لحظات أحس بذراعيها الصغيرين تطوقناه من الخلف .. هامسة في إذنه :
 تقبل الله ... لما لم توقظني للصلاة كعادتك ؟
فوضع يديه فوق يديها ورد قائلا :
منا ومنكم صالح الأعمال ..
لم يعد يذكر بماذا همهمت بعدها ..
وهي لم تعد تذكر .. كيف وصلت إلى السرير ..
كان ضوء السراج وحده يرسم ظلال ثيابهما في ليلة سيذكرانها طويلا ..


--------------------------

النفق .. ( الحلقة الثانية )
صباحا ...
استيقظت على صوت الطائرة وكأنها ذاك المنبه اليومي ..
أرسلت أناملها تتلمسه وهي مازالت مغمضة العينين ..
لم تجده ..
انتفضت ..
مكانه بارد ..
غادرت السرير .. وارتدت مايسترها وهي تتعثر ..
نادت باسمه ..
رد بصوت خافت ..
أنا هنا ...
كان يجلس في حجرة الضيوف .. الباردة جدا ..
والتي لم يزرها ضيف منذ زمن طويل ..
كان يرتشف قهوته وحيدا ..
لمحت وجهه من بين دخان سيجارته الكثيف ..
تسمرت وهي تلمح بقربه حقيبة السفر الصغيرة ..
كان قد ارتدى ثياب الخروج ..
اقتربت منه اكثر ..
توزع أنظارها بين عينيه الشاردتين ..
وبين حقيبة سفره الطارئة .. وقالت بصوت مرتجف :
- مسافر من جديد !!!
● نعم ..
- وشغل أيضا !!!
● نعم ...
- ولن تقول لي ماهو هذا الشغل .. الذي يبقيك خارج المنزل لأيام .. !!
● حبيبتي .. أعتقد أننا تكلمنا في هذا أكثر من مرة ..
  لا أريد أن نفتح ذات السيرة عند كل سفرة ..
- مالذي تخفيه عني بربك ؟؟؟
●  لا أخفي عنك شيء .. أنه مجرد عمل .. أكسب منه
   رزقا يعيلنا ...
- رزقا !!! .. إنها المرة الرابعة وربما الخامسة ..
    ولم تدخل علينا بكيلو واحد من فاكهة أو خضار ..
●  ستعرفين في الوقت المناسب ..
نظر إلى ساعته .. ثم هم بالنهوض ..
أمسكت بيده وهي مازالت جالسة .. ونظرت إليه تحبس دموعها ..
- قلبي مقبوض .. أرجوك لاتغادر ...
سحبها من يدها إلى الأعلى ..
ضمها بقوة إلى صدره ..
● سأعود بإذن الله .. لاطاقة بي لفراق عينيك ..
- أما زلت تراهما جميلتين ..!

( يتبع )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخر ما نُشر في قطوف

كدمة بقلم الشيماء عبد المولى . الجزائر

″ كدمة ″ كلُّ الكدمَاتِ مُوجِعة وجعًا لا يُطاق يحاصرُ كلَّ قلبٍ مَريضٍ و كلَّ جفنٍ مُترَعٍ بلَيَالِي الانتظَار يطُولُ الوقتُ عَمداً تَلت...