الأربعاء، 10 مايو 2017

الحلقتان: التاسعة عشرة - العشرون / من السلسلة السردية (النفق) / يكتبها: خالد جوير / مجلة قطوف أدبية / رئيس التحرير: سمر معتوق / نائب رئيس التحرير: نسرين العسال



النفق .. ( التاسعة عشرة )
 وفي المساء.. فتحت غيداء عينيها على وقع خطوات داخل الغرفة ،في البداية ظنت أن الشاب الممرض قد أتى ليساعدها كما وعد.. ولكنها أدركت أنها مخطئة عندما سمعت صوتاً يخاطبها :
 _هااااا.... ونايمي ياخايني... ياعاهرة...!!
إنه الرقيب غدير.. ارتعدت غيداء من شدة الخوف وأمسكت بالغطاء تشده نحوها .. تناجي ربها بصمت ..
 - يارب دخيلك تنقذني من هالكلاب... مالي غيرك يارب. اقترب منها بعيني ذئب ووجه يقطر غدرا
وقام برفع الغطاء عنها فصرخت :
- ببوس ايدك ياسيدي تتركني.. يخليلك اهلك... يستر ع اخواتك.. يخليلك اولادك...
فقام بصفعها حتى امتلأ فمها دما قائلا:
- ولي حقيرة لا تجيبي سيرة أهلي و اخواتي على لسانك..
 فأخذت ترتجف كالورقة من شدة الخوف..
 _ إي متل مابدك ياسيدي ماعاد جيب سيرتهن بس دخيلك اتركني..
 اقترب منها فاشتمّ رائحتها فتراجع قليلاً قائلا :
- يخرب بيتك ع هالريحة.. هي ريحتكن يا عاهرات الحرية بس معليش الرقيب غدير إلكن بالمرصادي ودواكن عندي..
وانقض عليها ككلب مسعور ينزع عنها ملابسها بوحشية فيما راحت تقاومه بما تبقى لديها من قوة وما هي إلا لحظات حتى وجدت نفسها شبه عارية ، ثم عمد إلى سلك القثطرة وانتزعه من يدها بعنف فصرخت غيداء بصوت زلزل المشفى كادت تفقد وعيها بعده، وعندها تدفقت الدماء لتضمخ بقايا ثيابها العالقة على أطراف جسدها الواهن .. لم تردع ذلك الخنزير توسلات غيداء ولا تأوهاتها ولا جراحها النازفة من فعلته القذرة.. كانت يداه تعبث بجسدها المنهك.. يعتصره بذراعيه.. حتى بات كل عضو في جسدها حتى المسام يثور .. ينتفض غاضبا لها مشمئزا منه ومن رائحته ورائحة أنفاسه الأشبه برائحة الجيفة والتي كانت تشتمها كلما صرخ بها:
- بدك حرية.. هاااا... وهاي حرية... وهاي حرية... لم تفتر غيداء لحظة عن مناجاة ربها..
-ياااارب دخيلك... ياااارب مالي غيرك... ياااارب تستر علي... يااارب .... فيرد عليهاضاحكا شامتا مقهقها :
-  رب...قال رب قال.. إي خلي ربك يفلتك من بين إيدي لكان..
في تلك اللحظة كانت غيداء تتخبط بين ذراعي ذلك الوحش البشري تحاول الإفلات منه فتدفعه تارة وتحاول ستر جسدها تارة أخرى وفجأة  اصطدمت يدها على شيء معلق في نطاق ذلك النجس .. أدركت بعد تلمسه بأنه قنبلة ، هنا هدأت ثورة جسدها قليلا دون روحها وجراحها .. وبحذر .. وأثناء انهماكه بافتراسها انتزعتها وطوقت خصره بكلتا يديها وسحبت مسمار الأمان ناطقة بصوت خافت متقطع منهك :
- أشهد أن لا إله الا الله ..وارتسمت لحظتها ابتسامة خفيفة على شفتيها المخضبة بالدم كجسدها..
 لم تكن ابتسامة فرح ، بل كانت ابتسامة نصر لشرفها المغتصب.. فقال لها ظنا منه أنها استسلمت لرغبته :
 - شو ياااا عجبتك الحرية.....! حلوي ماهيكي.. !
 إلا ان غيداء تابعت : وأشهد أن محمدا رسول الله..
وما هي إلا ثواني حتى علا صوت انفجار هز أركان المشفى..
وفي النفق ...
------------------
النفق .. ( العشرون )
بدأ النظام بالحفر عند بداية النفق .. بينما راح رفاقه يحفرون في نهايته ..
كل يريد الوصول إليهم قبل الآخر ..
كانت عناصر النظام تستخدم المعدات المخصصة لهكذا عمل
وكانت معدات رفاقه بالمتوفر من معاول وفؤوس وهمة لاتفتر .. وما أفادهم أكثر معرفتهم بخارطة النفق ..
إنه اليوم الثالث .. وبدا الماء ينفذ ..
فراح صاحبنا يقسم الماء على ثلاثتهم بالتساوي ..
وكان الشاب يراقب ذلك بصمت ..
وينظر إلى تصرفاته بذهول ..
لماذا أبقى على حياته ..!!
لماذا لم يقتله بعد أن اكتشف أمره ..!!
لماذا يقاسمه الزاد والماء .. وهو العدو ..!!
في تلك اللحظة وجه أبو نور مصباح هاتفه إلى وجه الشاب وقال :
- لو أنا عندكم كنتو اتصرفتو معي هيك ؟؟؟
  أكيد لاء .. لأنه أخلاقكن ودينكن غير دينا .. وغير أخلاقنا
  بس على كل حال مصيرك مو بإيدي .. ادعي لربك يكون أبو
   عمر وبنتو بخير مشان تبقى عايش ..
جاء صوت أم عمر من عمق الظلمة متهدجا ..
• أكيد هنن بخير خيي ابو نور مو هيك ..
   فأجابها متنهدا دون أن ترى الحسرة المرسومة على وجهه      
   ( ان شاء الله )
بعد نقل أم نور مع أناس آخرين إلى عمق المناطق المحررة ..
حاولت أن تكلم أهلها في البلدة لكن النظام كان قد قطع الاتصالات وباتت لاتعلم أي شيء عن مصير زوجها .. فكتبت له ...
أشتاق إليك وتخنقني أرتال النوح
وأتوق للثم أناملك بشفاه الروح ..
يا أغلى من نور عيوني بعثرني الشوق
لولا أوجاع مدينتنا .. لفضحني البوح

كان فجر اليوم الثالث يبول على الظلام ..
وينشر شعاعه غير آبه بدخان القصف الغاشم ..
أمسك جواله يتوسد التراب .. وكتب لها ..

أتلمس عطرك ياعمري وجبال الشوق
تغتال بقايا الأنفاس وورود الدوح ..
أشتاق لحضنك يغمرني بذراع التوق
والروح ملاكا تحرسك ياروح الروح ..

وأغمض عينيه متيقنا أنها تقرأ رسالته بروحها دونما إرسال ..
وفي المشفى هرع الجميع يلفهم الغبار .. والهلع ..
كانت تلك المستخدمة والتي تدعى أم أسد الأقرب للغرفة
فدخلت وهي تصرخ :
- عيني هنت يا غدير .. وينك !!
فلم تجد منه إلا الأشلاء  فتابعت العويل والصراخ ..
- قتلتك الكلبة .. ربي يرحمك الرحمن الرحيم .. ويلييي  
   والإمام علي شهيد ...
فدخل الممرض خلفها مباشرة وفي لحظة ...
( يتبع )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آخر ما نُشر في قطوف

كدمة بقلم الشيماء عبد المولى . الجزائر

″ كدمة ″ كلُّ الكدمَاتِ مُوجِعة وجعًا لا يُطاق يحاصرُ كلَّ قلبٍ مَريضٍ و كلَّ جفنٍ مُترَعٍ بلَيَالِي الانتظَار يطُولُ الوقتُ عَمداً تَلت...